في الكعبة ، لأن المخاطب بذلك في قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ) هم قريش. وقرأ الجمهور : ومناة مقصورا ، فقيل : وزنها فعلة ، سميت مناة لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها : أي تراق. وقرأ ابن كثير : ومناءة ، بالمد والهمز. قيل : ووزنها مفعلة ، فالألف منقلبة عن واو ، نحو : مقالة ، والهمزة أصل مشتقة من النوء ، كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها ، والقصر أشهر. قال جرير :
أزيد مناة توعد بأس تيم |
|
تأمل أين تاه بك الوعيد |
وقال آخر في المد والهمز :
ألا هل أتى تيم بن عبد مناءة |
|
على النأي فيما بيننا ابن تميم |
واللات والعزى ومناة منصوبة بقوله : (أَفَرَأَيْتُمُ) ، وهي بمعنى أخبرني ، والمفعول الثاني الذي لها هو قوله : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) على حد ما تقرر في متعلق أرأيت إذا كانت بمعنى أخبرني ، ولم يعد ضمير من جملة الاستفهام على اللات والعزى ومناة ، لأن قوله : (وَلَهُ الْأُنْثى) هو في معنى : وله هذه الإناث ، فأغنى عن الضمير. وكانوا يقولون في هذه الأصنام : هي بنات الله ، فالمعنى : ألكم النوع المحبوب المستحسن الموجود فيكم ، وله النوع المذموم بزعمكم؟ وهو المستثقل. وحسن إبراز الأنثى كونه نصا في اعتقادهم أنهن إناث ، وأنهن بنات الله تعالى ، وإن كان في لحاق تاء التأنيث في اللات وفي مناة ، وألف التأنيث في العزى ، ما يشعر بالتأنيث ، لكنه قد سمى المذكر بالمؤنث ، فكان في قوله : (الْأُنْثى) نص على اعتقاد التأنيث فيها. وحسن ذلك أيضا كونه جاء فاصلة ، إذ لو أتى ضميرا ، فكان التركيب ألكم الذكر وله هن ، لم تقع فاصلة. وقال الزجاج : وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها ، فيقول : أخبروني عن آلهتكم ، هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة في الآي السالفة؟ انتهى. فجعل المفعول الثاني لأفرأيتم جملة الاستفهام التي قدرها ، وحذفت لدلالة الكلام السابق عليها ، وعلى تقديره يبقى قوله : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) متعلقا بما قبله من جهة المعنى ، لا من جهة الإعراب ، كما قلناه نحن. ولا يعجبني قول الزجاج : وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها ، ولو قال : وجه اتصال هذه ، أو وجه انتظام هذه مع ما قبلها ، لكان الجيد في الأدب ، وإن كان يعني هذا المعنى.
وقال ابن عطية : (أَفَرَأَيْتُمُ) خطاب لقريش ، وهي من رؤية العين ، لأنه أحال على