ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أن ما قبلها مشتمل على حال المنافقين ، وفي آخرها خطاب المؤمنين ، فأتبعه بما يناسبه من قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ، هذا تقسيم في الإيمان والكفر بالنظر إلى الاكتساب عند جماعة من المتأولين لقوله : كل مولود يولد على الفطرة ، وقوله تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (١). وقيل : ذانك في أصل الخلقة ، بدليل ما في حديث النطفة من قول الملك : أشقيّ أم سعيد؟ والغلام الذي قتله الخضر عليهالسلام أنه طبع يوم طبع كافرا. وما روى ابن مسعود أنه عليه الصلاة والسلام قال : «خلق الله فرعون في البطن كافرا». وحكى يحيى بن زكريا : في البطن مؤمنا. وعن عطاء بن أبي رباح : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ) بالله ، (مُؤْمِنٌ) بالكواكب ؛ ومؤمن بالله وكافر بالكوكب. وقدّم الكافر لكثرته. ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٢)؟ وحين ذكر الصالحين قال : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) (٣). وقال الزمخشري : فمنكم آت بالكفر وفاعل له ، ومنكم آت بالإيمان وفاعل له ، كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٤) ، والدليل عليه قوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) : أي عالم بكفركم وإيمانكم اللذين هما من قبلكم ، والمعنى : الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد عن العدم ، فكان يجب أن تنظروا النظر الصحيح ، وتكونوا بأجمعكم عبادا شاكرين. انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال. وقال أيضا : وقيل : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ) بالخلق : هم الدهرية ، (وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) به. وعن الحسن : في الكلام حذف دل عليه تقديره : ومنكم فاسق ، وكأنه من كذب المعتزلة على الحسن. وتقدم الجار والمجرور في قوله : (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) ، قال الزمخشري : ليدل بتقدمهما على معنى اختصاص الملك والحمد بالله عزوجل ، وذلك لأن الملك على الحقيقة له ، لأنه مبدىء كل شيء ومبدعه ، والقائم به المهيمن عليه ؛ وكذلك الحمد ، لأن أصول النعم وفروعها منه. وأما ملك غيره فتسليط منه ، وحمده اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده.
وقرأ الجمهور : (صَوَّرَكُمْ) بضم الصاد ؛ وزيد بن عليّ وأبو رزين. بكسرها ، والقياس الضم ، وهذا تعديد للنعمة في حسن الخلقة ، لأن أعضاء بني آدم متصرّفة بجميع ما تتصرّف فيه أعضاء الحيوان ، وبزيادة كثيرة فضل بها. ثم هو مفضل بحسن الوجه وجمال
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠ / ٣٠.
(٢) سورة سبأ : ٣٤ / ١٣.
(٣) سورة ص : ٣٨ / ٢٤.
(٤) سورة الحديد : ٥٧ / ٢٦.