(يا أَيُّهَا النَّبِيُ) : نداء للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وخطاب على سبيل التكريم والتنبيه ، (إِذا طَلَّقْتُمُ) : خطاب له عليه الصلاة والسلام مخاطبة الجمع على سبيل التعظيم ، أو لأمته على سبيل تلوين الخطاب ، أقبل عليهالسلام أولا ، ثم رجع إليهم بالخطاب ، أو على إضمار القول ، أي قل لأمتك إذا طلقتم ، أو له ولأمته ، وكأنه ثم محذوف تقديره : يا أيها النبي وأمة النبي إذا طلقتم ، فالخطاب له ولهم ، أي أنت وأمتك ، أقوال. وقال الزمخشري : خص النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعمّ بالخطاب ، لأن النبي إمام أمته وقدوتهم. كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا كيت وكيت ، إظهارا لتقدمه واعتبارا لترؤسه ، وأنه مدره قومه ولسانهم ، والذي يصدرون عن رأيه ولا يستبدون بأمر دونه ، فكان هو وحده في حكم كلهم ، وسادا مسد جميعهم. انتهى ، وهو كلام حسن.
ومعنى (إِذا طَلَّقْتُمُ) : أي إذا أردتم تطليقهن ، والنساء يعني : المدخول بهن ، وطلقوهن : أي أوقعوا الطلاق ، (لِعِدَّتِهِنَ) : هو على حذف مضاف ، أي لاستقبال عدّتهن ، واللام للتوقيت ، نحو : كتبته لليلة بقيت من شهر كذا ، وتقدير الزمخشري هنا حالا محذوفة يدل عليها المعنى يتعلق بها المجرور ، أي مستقبلات لعدتهن ، ليس بجيد ، لأنه قدر عاملا خاصا ، ولا يحذف العامل في الظرف والجار والمجرور إذا كان خاصا ، بل إذا كان كونا مطلقا. لو قلت : زيد عندك أو في الدار ، تريد : ضاحكا عندك أو ضاحكا في الدار ، لم يجز. فتعليق اللام بقوله : (فَطَلِّقُوهُنَ) ، ويجعل على حذف مضاف هو الصحيح.
وما روي عن جماعة من الصحابة والتابعين ، رضي الله تعالى عنهم ، من أنهم قرأوا : فطلقوهن في قبل عدتهن ؛ وعن بعضهم : في قبل عدّتهن ؛ وعن عبد الله : لقبل طهرهن ، هو على سبيل التفسير ، لا على أنه قرآن ، لخلافه سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون شرقا وغربا ، وهل تعتبر العدة بالنسبة إلى الأطهار أو الحيض؟ تقدم ذلك في البقرة في قوله : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (١). والمراد : أن يطلقهن في طهر لم يجامعهن فيه ، ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن ، فإن شاء ردها ، وإن شاء أعرض عنها لتكون مهيأة للزوج ؛ وهذا الطلاق أدخل في السنة. وقال مالك : لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة ، وكره الثلاث مجموعة أو مفرقة. وأبو حنيفة كره ما زاد على الواحدة في طهر واحد ، فأما مفرقا في
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٢٨.