(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) : أي أشرفن على انقضاء العدّة ، (فَأَمْسِكُوهُنَ) : أي راجعوهنّ ، (بِمَعْرُوفٍ) : أي بغير ضرار ، (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) : أي سرحوهنّ بإحسان ، والمعنى : اتركوهنّ حتى تنقضي عدّتهنّ ، فيملكن أنفسهنّ. وقرأ الجمهور : (أَجَلَهُنَ) على الإفراد ؛ والضحاك وابن سيرين : آجالهنّ على الجمع. والإمساك بمعروف : هو حسن العشرة فيما للزوجة على الزوج ، والمفارقة بمعروف : هو أداء المهر والتمتيع والحقوق الواجبة والوفاء بالشرط. (وَأَشْهِدُوا) : الظاهر وجوب الإشهاد على ما يقع من الإمساك وهو الرجعة ، أو المفارقة وهي الطلاق. وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة ، كقوله : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) (١) ؛ وعند الشافعية واجب في الرجعة ، مندوب إليه في الفرقة. وقيل : (وَأَشْهِدُوا) : يريد على الرجعة فقط ، والإشهاد شرط في صحتها ، فلها منفعة من نفسها حتى يشهد. وقال ابن عباس : الإشهاد على الرجعة وعلى الطلاق يرفع عن النوازل أشكالا كثيرة ، ويفسد تاريخ الإشهاد من الإشهاد. قيل : وفائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد ، وأن لا يتهم في إمساكها ، ولئلا يموت أحدهما فيدعي الثاني ثبوت الزوجية ليرث. انتهى. ومعنى منكم ، قال الحسن : من المسلمين. وقال قتادة : من الأحرار. (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) : هذا أمر للشهود ، أي لوجه الله خالصا ، لا لمراعاة مشهود له ، ولا مشهود عليه لا يلحظ سوى إقامة الحق. (ذلِكُمْ) : إشارة إلى إقامة الشهادة ، إذ نوازل الأشياء تدور عليها ، وما يتميز المبطل من المحق.
(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) ، قال علي بن أبي طالب وجماعة : هي في معنى الطلاق ، أي ومن لا يتعدى طلاق السنة إلى طلاق الثلاث وغير ذلك ، (يَجْعَلْ) الله (لَهُ مَخْرَجاً) إن ندم بالرجعة ، (وَيَرْزُقْهُ) ما يطعم أهله. انتهى. ومفهوم الشرط أنه إن لم يتق الله ، فبت الطلاق وندم ، لم يكن له مخرج ، وزال عنه رزق زوجته. وقال ابن عباس : للمطلق ثلاثا : إنك لم تتق الله ، بانت منك امرأتك ، ولا أرى لك مخرجا. وقال : (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) : يخلصه من كذب الدنيا والآخرة. والظاهر أن قوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) متعلق بأمر ما سبق من أحكام الطلاق. وروي أنها في غير هذا المعنى ، وهو أن أسر ابن يسمى سالما لخوف بن مالك الأشجعي ، فشكا ذلك للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأمره بالتقوى فقبل ، ثم لم يلبث أن تفلت ولده واستاق مائة من الإبل ، كذا في الكشاف. وفي الوجيز : قطيعا من الغنم كانت للذين أسروه ، وجاء أباه فسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أيطيب له؟ فقال : «نعم» ، فنزلت الآية. وقال
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٢.