عباس : بإدغامها في الكاف ، وتقدم ذكر الخلاف في (أَنْ يُبْدِلَهُ) في سورة الكهف ، والمتبدل به محذوف لدلالة المعنى عليه ، تقديره : أن يبدله خيرا منكن ، لأنهن إذا طلقهن كان طلاقهن لسوء عشرتهن ، واللواتي يبدلهن بهذه الأوصاف يكن خيرا منهن. وبدأ في وصفهن بالإسلام ، وهو الانقياد ؛ ثم بالإيمان ، وهو التصديق ؛ ثم بالقنوت ، وهو الطواعية ؛ ثم بالتوبة ، وهي الإقلاع عن الذنب ؛ ثم بالعبادة ، وهي التلذذ ؛ ثم بالسياحة ، وهي كناية عن الصوم ، قاله أبو هريرة وابن عباس وقتادة والضحاك. وقيل : إن الرسول صلىاللهعليهوسلم فسره بذلك ، قاله أيضا الحسن وابن جبير وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن. قال الفراء والقتيبي : سمي الصائم سائحا لأن السائح لا زاد معه ، وإنما يأكل من حيث يجد الطعام. وقال زيد بن أسلم ويمان : مهاجرات. وقال ابن زيد : ليس في الإسلام سياحة إلا الهجرة. وقيل : ذاهبات في طاعة الله. وقرأ الجمهور : سائحات ، وعمرو بن فائد : سيحات ، وهذه الصفات تجتمع ، وأما الثيوبة والبكارة فلا يجتمعان ، فلذلك عطف أحدهما على الآخر ، ولو لم يأت بالواو لاختل المعنى. وذكر الجنسين لأن في أزواجه صلىاللهعليهوسلم من تزوجها بكرا ، والثيب : الراجع بعد زوال العذرة ، يقال : ثابت تثوب ثووبا ، ووزنه فعيل كسيد.
ولما وعظ أزواج الرسول صلىاللهعليهوسلم موعظة خاصة ، أتبع ذلك بموعظة عامة للمؤمنين وأهليهم ، وعطف (وَأَهْلِيكُمْ) على (أَنْفُسَكُمْ) ، لأن رب المنزل راع وهو مسؤول عن أهله. ومعنى وقايتهم : حملهم على طاعته وإلزامهم أداء ما فرض عليهم. قال عمر : يا رسول الله ، نقي أنفسنا ، فكيف لنا بأهلينا؟ قال : «تنهونهن عما نهاكم الله تعالى عنه ، وتأمرونهن بما أمركم الله به ، فتكون ذلك وقاية بينهن وبين النار» ، ودخل الأولاد في (وَأَهْلِيكُمْ). وقيل : دخلوا في (أَنْفُسَكُمْ) لأن الولد بعض من أبيه ، فيعلمه الحلال والحرام ويجنبه المعاصي. وقرىء : وأهلوكم بالواو ، وهو معطوف على الضمير في (قُوا) وحسن العطف للفصل بالمفعول. وقال الزمخشري : فإن قلت : أليس التقدير قوا أنفسكم وليق أهلوكم أنفسهم؟ قلت : لا ، ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو وأنفسكم واقع بعده ، فكأنه قيل : قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم. لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه. فجعلت ضميرهما معا على لفظ المخاطب. انتهى. وناقض في قوله هذا لأنه قدر وليق أهلوكم فجعله من عطف الجمل ، لأن أهلوكم اسم ظاهرة لا يمكن عنده أن يرتفع بفعل الآمر الذي للمخاطب ، وكذا في قوله : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (١) ، ثم قال :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٥.