(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) : ضرب تعالى المثل لهم بامرأة نوح وامرأة لوط في أنهم لا ينفعهم في كفرهم لحمة نسب ولا وصلة صهر ، إذ الكفر قاطع العلائق بين الكافر والمؤمن ، وإن كان المؤمن في أقصى درجات العلا. ألا ترى إلى قوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (١)؟ كما لم ينفع تينك المرأتين كونهما زوجتي نبيين. وجاءت الكناية عن اسمهما العلمين بقوله : (عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا) ، لما في ذلك من التشريف بالإضافة إليه تعالى. ولم يأت التركيب بالضمير عنهما ، فيكون تحتهما لما قصد من ذكر وصفهما بقوله : (صالِحَيْنِ) ، لأن الصلاح هو الوصف الذي يمتاز به من اصطفاه الله تعالى بقوله في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٢) ، وفي قول يوسف عليهالسلام : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (٣) ، وقول سليمان عليه الصلاة والسلام : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (٤). (فَخانَتاهُما) ، وذلك بكفرهما وقول امرأة نوح عليهالسلام : هو مجنون ، ونميمة امرأة لوط عليهالسلام بمن ورد عليه من الأضياف ، قاله ابن عباس. وقال : لم تزن امرأة نبي قط ، ولا ابتلي في نسائه بالزنا. قال في التحرير : وهذا إجماع من المفسرين ، وفي كتاب ابن عطية. وقال الحسن في كتاب النقاش : فخانتاهما بالكفر والزنا وغيره. وقال الزمخشري : ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور ، لأنه سمج في الطباع نقيصة عند كل أحد ، بخلاف الكفر ، فإن الكفر يستسمجونه ويسمونه حقا. وقال الضحاك : خانتاهما بالنميمة ، كان إذا أوحى إليه بشيء أفشتاه للمشركين ، وقيل : خانتاهما بنفاقهما. قال مقاتل : اسم امرأة نوح والهة ، واسم امرأة لوط والعة. (فَلَمْ يُغْنِيا) بياء الغيبة ، والألف ضمير نوح ولوط : أي على قربهما منهما فرق بينهما الخيانة. (وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ) : أي وقت موتهما ، أو يوم القيامة ؛ (مَعَ الدَّاخِلِينَ) : الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو مع من دخلها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط. وقرأ مبشر بن عبيد : تغنيا بالتاء ، والألف ضمير المرأتين ، ومعنى (عَنْهُما) : عن أنفسهما ، ولا بد من هذا المضاف إلا أن يجعل عن اسما ، كهي في : دع عنك ، لأنها إن كانت حرفا ، كان في ذلك تعدية الفعل الرافع للضمير المتصل إلى ضمير المجرور ، وهو يجري مجرى المنصوب المتصل ، وذلك لا يجوز.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) : مثل تعالى حال المؤمنين في أن
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ٤٦.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٣٠.
(٣) سورة يوسف : ١٢ / ١٠١.
(٤) سورة النمل : ٢٧ / ١٩.