لشدة اضطرابها ، ويقال : فلان يتميز من الغيظ إذا وصفوه بالإفراط في الغضب. وقرأ الجمهور : (تَمَيَّزُ) بتاء واحدة خفيفة ، والبزي يشدّدها ، وطلحة : بتاءين ، وأبو عمرو : بإدغام الدال في التاء ، والضحاك : تمايز على وزن تفاعل ، وأصله تتمايز بتاءين ؛ وزيد بن علي وابن أبي عبلة : تميز من ماز من الغيظ على الكفرة ، جعلت كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم ، ومثل هذا في التجوز قول الشاعر :
في كلب يشتد في جريه |
|
يكاد أن يخرج من إهابه |
وقولهم : غضب فلان ، فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء إذا أفرط في الغضب. ويجوز أن يراد من غيظ الزبانية. (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) : أي فريق من الكفار ، (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها) : سؤال توبيخ وتقريع ، وهو مما يزيدهم عذابا إلى عذابهم ، وخزنتها : مالك وأعوانها ، (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) : ينذركم بهذا اليوم ، (قالُوا بَلى) : اعتراف بمجيء النذر إليهم. قال الزمخشري : اعتراف منهم بعدل الله ، وإقرار بأنه عز وعلا أزاح عللهم ببعثة الرسل وإنذارهم فيما وقعوا فيه ، وأنهم لم يؤتوا من قدره كما تزعم المجبرة ، وإنما أتوا من قبل أنفسهم واختيارهم ، خلاف ما اختار الله وأمر به وأوعد على ضده. انتهى ، وهو على طريق المعتزلة. والظاهر أن قوله : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) ، من قول الكفار للرسل الذين جاءوا نذرا إليهم ، أنكروا أولا أن الله نزل شيئا ، واستجهلوا ثانيا من أخبر بأنه تعالى أرسل إليهم الرسل ، وأن قائل ذلك في حيرة عظيمة. ويجوز أن يكون من قول الخزنة للكفار إخبارا لهم وتقريعا بما كانوا عليه في الدنيا. أرادوا بالضلال الهلاك الذي هم فيه ، أوسموا عقاب الضلال ضلالا لما كان ناشئا عن الضلال. وقال الزمخشري : أو من كلام الرسل لهم حكوه للخزنة ، أي قالوا لنا هذا فلم نقبله. انتهى. فإن كان الخطاب في (إِنْ أَنْتُمْ) للرسل ، فقد يراد به الجنس ، ولذلك جاء الخطاب بالجمع. (وَقالُوا) : أي للخزنة حين حاوروهم ، (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) سماع طالب للحق ، (أَوْ نَعْقِلُ). عقل متأمل له ، لم نستوجب الخلود في النار. (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) : أي بتكذيب الرسل ، (فَسُحْقاً) : أي فبعدا لهم ، وهو دعاء عليهم ، والسحق : البعد ، وانتصابه على المصدر : أي سحقهم الله سحقا ، قال الشاعر :
يجول بأطراف البلاد مغربا |
|
وتسحقه ريح الصبا كل مسحق |
والفعل منه ثلاثي. وقال الزجاج : أي أسحقهم الله سحقا ، أي باعدهم بعدا. وقال أبو علي الفارسي : القياس إسحاقا ، فجاء المصدر على الحذف ، كما قيل :