وما ذهب إليه الزمخشري من أن (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) متعلق (بِمَجْنُونٍ) ، وأنه في موضع الحال ، يحتاج إلى تأمل ، وذلك أنه إذا تسلط النفي على محكوم به ، وذلك له معمول ، ففي ذلك طريقان : أحدهما : أن النفي يتسلط على ذلك المعمول فقط ، والآخر : أن يتسلط النفي على المحكوم به فينتفي معموله لانتفائه بيان ذلك ، تقول : ما زيد قائم مسرعا ، فالمتبادر إلى الذهن أنه منتف إسراعه دون قيامه ، فيكون قد قام غير مسرع. والوجه الآخر أنه انتفى قيامه فانتفى إسراعه ، أي لا قيام فلا إسراع ، وهذا الذي قررناه لا يتأتى معه قول الزمخشري بوجه ، بل يؤدي إلى ما لا يجوز أن ينطق به في حق المعصوم صلىاللهعليهوسلم. وقيل معناه : ما أنت بمجنون والنعمة بربك لقولهم : سبحانك اللهم وبحمدك ، أي والحمد لله ، ومنه قول لبيد :
وأفردت في الدنيا بفقد عشيرتي |
|
وفارقني جار بأربد نافع |
أي : وهو أربد. انتهى. وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب. وفي المنتخب ما ملخصه المعنى : انتفى عنك الجنون بنعمة ربك ، أي حصول الصفة المحمودة ، وزال عنك الصفة المذمومة بواسطة إنعام ربك. ثم قرر بهذه الدعوى ما هو كالدليل القاطع على صحتها ، لأن نعمه كانت ظاهرة في حقه من كمال الفصاحة والعقل والسيرة المرضية والبراءة من كل عيب والاتصاف بكل مكرمة ، فحصول ذلك وظهوره جار مجرى اليقين في كونهم كاذبين في قولهم : إنه مجنون. (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً) في احتمال طعنهم وفي دعاء الخلق إلى الله ، فلا يمنعك ما قالوا عن الدعاء إلى الله. (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) : هذا كالتفسير لما تقدم من قوله : (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) ، وتعريف لمن رماه بالجنون أنه كذب وأخطأ ، وأن من كان بتلك الأخلاق المرضية لا يضاف الجنون إليه ، ولفظه يدل على الاستعلاء والاستيلاء. انتهى. (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً) : أي على ما تحملت من أثقال النبوة ومن أذاهم مما ينسبون إليك مما أنت لا تلتبس به من المعائب ، (غَيْرَ مَمْنُونٍ) : أي غير مقطوع ، مننت الحبل : قطعته ، قال الشاعر :
عبسا كواسب لا يمن طعامها
أي لا يقطع. وقال مجاهد : غير محسوب. وقال الحسن : غير مكدر بالمن. وقال الضحاك : بغير عمل. وقيل : غير مقدر ، وهو معنى قول مجاهد. وقال الزمخشري : أو غير ممنون عليك ، لأن ثواب تستوجبه على عملك وليس بتفضل ابتداء ، وإنما تمن الفواصل لا الأجور على الأعمال. انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال. (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، قال