ابن عباس ومجاهد : دين عظيم ليس دين أحب إلى الله تعالى منه. وقالت عائشة : إن خلقه كان القرآن. وقال علي : هو أدب القرآن. وقال قتادة : ما كان يأتمر به من أمر الله تعالى. وقيل : سمي عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه ، من كرم السجية ، ونزاهة القريحة ، والملكة الجميلة ، وجودة الضرائب ؛ ما دعاه أحد إلا قال لبيك ، وقال : «إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق» ، ووصى أبا ذر فقال : «وخالق الناس بخلق حسن». وعنه صلىاللهعليهوسلم : «ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن». وقال : «أحبكم إلى الله تعالى أحسنكم أخلاقا». والظاهر تعلق (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) بما قبله. وقال عثمان المازني : تم الكلام في قوله (وَيُبْصِرُونَ) ، ثم استأنف قوله : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ). انتهى. فيكون قوله : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) استفهاما يراد به الترداد بين أمرين ، ومعلوم نفي الحكم عن أحدهما ، ويعينه الوجود ، وهو المؤمن ، ليس بمفتون ولا به فتون. وإذا كان متعلقا بما قبله ، وهو قول الجمهور ، فقال قتادة وأبو عبيدة معمر : الباء زائدة ، والمعنى : أيكم المفتون؟ وزيدت الباء في المبتدأ ، كما زيدت فيه في قوله : بحسبك درهم ، أي حسبك. وقال الحسن والضحاك والأخفش : الباء ليست بزائدة ، والمفتون بمعنى الفتنة ، أي بأيكم هي الفتنة والفساد الذي سموه جنونا؟ وقال الأخفش أيضا : بأيكم فتن المفتون ، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ففي قوله الأول جعل المفتون مصدرا ، وهنا أبقاه اسم مفعول وتأوله على حذف مضاف. وقال مجاهد والفراء : الباء بمعنى في ، أي في أيّ فريق منكم النوع المفتون؟ انتهى. فالباء ظرفية ، نحو : زيد بالبصرة ، أي في البصرة ، فيظهر من هذا القول أن الباء في القول قبله ليست ظرفية ، بل هي سببية. وقال الزمخشري : المفتون : المجنون لأنه فتن ، أي محن بالجنون ، أو لأن العرب يزعمون أنه من تخييل الجن ، وهم الفتان للفتاك منهم. انتهى. وقرأ ابن أبي عبلة : في أيكم المفتون.
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ) : وعيد للضال ، وهم المجانين على الحقيقة ، حيث كانت لهم عقول لم ينتفعوا بها ، ولا استعملوها فيما جاءت به الرسل ، أو يكون أعلم كناية عن جزاء الفريقين. (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) : أي الذين كذبوا بما أنزل الله عليك من الوحي ، وهذا نهي عن طواعيتهم في شيء مما دعوه إليه من تعظيم آلهتهم. (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ) : لو هنا على رأي البصريين مصدرية بمعنى أن ، أي ودوا أدهانكم ، وتقدم الكلام في ذلك في قوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) (١) ، ومذهب الجمهور أن معمول ود محذوف ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٩٦.