(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) : أي أقسام علينا ، (بالِغَةٌ) : أي متناهية في التوكيد. يقال : لفلان عليّ يمين إذا حلفت له على الوفاء بما حلفت عليه ، وإلى يوم القيامة متعلق بما تعلق به الخبر وهو لكم ، أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة ، أو ببالغة : أي تبلغ إلى ذلك اليوم وتنتهي إليه. وقرأ الجمهور : (بالِغَةٌ) بالرفع على الصفة ، والحسن وزيد بن علي : بالنصب على الحال من الضمير المستكن في علينا. وقال ابن عطية : حال من نكرة لأنها مخصصة تغليبا. (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) : جواب القسم ، لأن معنى (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا) : أم أقسمنا لكم ، قاله الزمخشري. وقرأ الأعرج : أإن لكم عليّ ، كالتي قبلها على الاستفهام. (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) : أي ضامن بما يقولونه ويدعون صحته ، وسل معلقة عن مطلوبها الثاني ، لما كان السؤال سببا لحصول العلم جاز تعليقه كالعلم ، ومطلوبها الثاني أصله أن يعدى بعن أو بالباء ، كما قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) (١) ، وقال الشاعر :
فإن تسألوني بالنساء فإنني |
|
عليم بأدواء النساء طبيب |
ولو كان غير اسم استفهام لتعدى إليه بعن أو بالباء ، كما تقول : سل زيدا عن من ينظر في كذا ، ولكنه علق سلهم ، فالجملة في موضع نصب. وقرأ الجمهور : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ) ؛ وعبد الله وابن أبي عبلة : فليأتوا بشركهم ، قيل : والمراد في القراءتين الأصنام أو ناس يشاركونهم في قولهم ويوافقونهم فيه ، أي لا أحد يقول بقولهم ، كما أنه لا كتاب لهم ، ولا عهد من الله ، ولا زعيم بذلك ، (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ) : هذا استدعاء وتوقيف. قيل : في الدنيا أي ليحضروهم حتى ترى هل هم بحال من يضر وينفع أم لا. وقيل : في الآخرة ، على أن يأتوا بهم.
(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) : وعلى هذا القول الناصب ليوم فليأتوا. وقيل : اذكر ، وقيل التقدير : يوم يكشف عن ساق كان كيت وكيت ، وحذف للتهويل العظيم بما يكون فيه من الحوادث ؛ والظاهر وقول الجمهور : إن هذا اليوم هو يوم القيامة. وقال أبو مسلم : هذا اليوم هو في الدنيا لأنه قال : (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) ، ويوم القيامة ليس فيه تعبد ولا تكليف ، بل المراد منه إما آخر أيام الرجل في دنياه لقوله : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى) (٢) ، ثم يرى الناس يدعون إلى الصلاة إذا حضرت أوقاتها ، فلا يستطيع الصلاة
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢١٧.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٢.