لسنة الجدب : كشفت ساقها ، ونكر ساق للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة ، خارج عن المألوف ، كقوله تعالى : (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) ، فكأنه قيل : يوم يقع أمر فظيع هائل. (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) : ظاهره أنهم يدعون ، وتقدم أن ذلك على سبيل التوبيخ لا على سبيل التكليف. وقيل : الداعي ما يرونه من سجود المؤمنين ، فيريدون هم السجود فلا يستطيعونه ، كما ورد في الحديث الذي حاورهم فيه الله تعالى أنهم يقولون : أنت ربنا ، ويخرون للسجود ، فيسجد كل مؤمن وتصير أصلاب المنافقين والكفار كصياصي البقر عظما واحدا ، فلا يستطيعون سجودا. انتهى. ونفي الاستطاعة للسجود في الآخرة لا يدل على أن لهم استطاعة في الدنيا ، كما ذهب إليه الجبائي. و (خاشِعَةً) : حال ، وذو الحال الضمير في (يُدْعَوْنَ) ، وخص الأبصار بالخشوع ، وإن كانت الجوارح كلها خاشعة ، لأنه أبين فيه منه في كل جارحة ، (تَرْهَقُهُمْ) : تغشاهم ، (ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ). قيل : هو عبارة عن جميع الطاعات ، وخص بالذكر من حيث هو أعظم الطاعات ، ومن حيث امتحنوا به في الآخرة. وقال النخعي والشعبي : أراد بالسجود : الصلوات المكتوبة. وقال ابن جبير : كانوا يسمعون النداء للصلاة وحي على الفلاح فلا يجيبون.
(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) ، المعنى : خل بيني وبينه ، فإني سأجازيه وليس ثم مانع. وهذا وعيد شديد لمن يكذب بما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم من أمر الآخرة وغيره ، وكان تعالى قدم أشياء من أحوال السعداء والأشقياء. ومن في موضع نصب ، إما عطفا على الضمير في ذرني ، وإما على أنه مفعول معه. (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) إلى قوله : (مَتِينٌ) : تكلم عليه في الأعراف. (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) إلى : (يَكْتُبُونَ) : تكلم عليه في الطور. روي أنه صلىاللهعليهوسلم أراد أن يدعو على الذين انهزموا بأحد حين اشتد بالمسلمين الأمر. وقيل : حين أراد أن يدعو على ثقيف ، فنزلت : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) : وهو إمهالهم وتأخير نصرك عليهم ، وامض لما أمرت به من التبليغ واحتمال الأذى ، (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) : هو يونس عليهالسلام ، (إِذْ نادى) : أي في بطن الحوت ، وهو قوله : (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ) (١) ، وليس النهي منصبا على الذوات ، إنما المعنى : لا يكن حالك مثل حاله. (إِذْ نادى) : فالعامل في إذ هو المحذوف المضاف ، أي كحال أو كقصة صاحب الحوت ،
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٧.