(إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) : مملوء غيظا على قومه ، إذ لم يؤمنوا لما دعاهم إلى الإيمان ، وأحوجوه إلى استعجال مفارقته إياهم. وقال ذو الرمة :
وأنت من حب ميّ مضمر حزنا |
|
عانى الفؤاد قريح القلب مكظوم |
وتقدمت مادة كظم في قوله : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) (١). وقرأ الجمهور : (تَدارَكَهُ) ماضيا ، ولم تلحقه علامة التأنيث لتحسين الفصل. وقرأ عبد الله وابن عباس : تداركته بتاء التأنيث ؛ وابن هرمز والحسن والأعمش : بشد الدال. قال أبو حاتم : ولا يجوز ذلك ، والأصل في ذلك تتداركه ، لأنه مستقبل انتصب بأن الخفيفة قبله. وقال بعض المتأخرين : هذا لا يجوز على حكاية الحال الماضية المقتضية ، أي لو لا أن كان يقال تتداركه ، ومعناه : لو لا هذه الحال الموجودة كانت له من نعم الله (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) ، ونحوه قوله : (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) (٢) ؛ وجواب (لَوْ لا) قوله : (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) ، أي لكنه نبذه وهو غير مذموم ، كما قال : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ) (٣) ، والمعتمد فيه على الحال لا على النبذ مطلقا ، بل بقيد الحال. وقيل : لنبذ بعراء القيامة مذموما ، ويدل عليه (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٤). ثم أخبر تعالى أنه (فَاجْتَباهُ) : أي اصطفاه ، (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) : أي الأنبياء. وعن ابن عباس : رد الله إليه الوحي وشفعه في قومه.
ولما أمره تعالى بالصبر لما أراده تعالى ونهاه عن ما نهاه ، أخبر بشدة عداوتهم ليتلقى ذلك بالصبر فقال : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ) : أي ليزلقون قومك بنظرهم الحاد الدال على العداوة المفرطة ، أو ليهلكونك من قولهم : نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني ويكاد يأكلني ، أي لو أمكنه بنظره الصرع والأكل لفعله. وقال الشاعر :
يتعارضون إذا التقوا في موطن |
|
نظرا يزل مواطن الأقدام |
وقال الكلبي : ليزلقونك : ليصرفونك. وقرأ الجمهور : (لَيُزْلِقُونَكَ) بضم الياء من أزلق ؛ ونافع : بفتحها من زلقت الرجل ، عدى بالفتحة من زلق الرجل بالكسر ، نحو شترت عينه بالكسر ، وشترها الله بالفتح. وقرأ عبد الله وابن عباس والأعمش وعيسى : ليزهقونك. وقيل : معنى (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) : ليأخذونك بالعين ، وذكر أن اللفع بالعين كان في بني أسد. قال ابن الكلبي : كان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلاثة لا يأكل ، ثم يرفع
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٣٤.
(٢) سورة القصص : ٢٨ / ١٥.
(٣) سورة الصافات : ٣٧ / ١٤٥.
(٤) سورة الصافات : ٣٧ / ١٤٣.