كأن قائلا قال : لمن هذا العذاب الواقع؟ فقيل : للكافرين. وقال الزمخشري : أو بالفعل ، أي دعاء للكافرين ، ثم قال : وعلى الثاني ، وهو ثاني ما ذكر من توجيهه في الكافرين. قال هو كلام مبتدأ جواب للسائل ، أي هو للكافرين ، وكان قد قرر أن سال ضمن معنى دعا ، فعدى تعديته كأنه قال : دعا داع بعذاب من قولك : دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه ، ومنه قوله تعالى : (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ) (١). انتهى. فعلى ما قرره أنه متعلق بدعا ، يعني بسال ، فكيف يكون كلاما مبتدأ جوابا للسائل أي هو للكافرين؟ هذا لا يصح. فقد أخذ قول قتادة والحسن وأفسده ، والأجود أن يكون من الله متعلقا بقوله : (واقِعٍ). و (لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) : جملة اعتراض بين العامل والمعمول. وقيل : يتعلق بدافع ، أي من جهته إذا جاء وقته.
(ذِي الْمَعارِجِ) : المعارج لغة الدرج وهنا استعارة ، قال ابن عباس وقتادة : في الرتب والفواضل والصفات الحميدة. وقال ابن عباس أيضا : المعارج : السموات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء. وقال الحسن : هي المراقي إلى السماء ، وقيل : المعارج : الغرف ، أي جعلها لأوليائه في الجنة تعرج ، قراءة الجمهور بالتاء على التأنيث ، وعبد الله والكسائي وابن مقسم وزائدة عن الأعمش بالياء. (وَالرُّوحُ) ، قال الجمهور ؛ هو جبريل ، خص بالذكر تشريفا ، وأخر هنا بعد الملائكة ، وقدم في قوله : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) (٢). وقال مجاهد : ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني آدم ، لا تراهم الحفظة كما لا نرى نحن حفظتنا. وقيل : الروح ملك غير جبريل عظيم الخلقة. وقال أبو صالح : خلق كهيئة الناس وليسوا بالناس. وقال قبيصة بن ذؤيب : روح الميت حين تقبض إليه ، الضمير عائد على الله تعالى ، أي إلى عرشه وحيث يهبط منه أمره تعالى. وقيل : إليه ، أي إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء لأنها محل بره وكرامته ، والظاهر أن المعنى : أنها تعرج في يوم من أيامكم هذه ، ومقدار المسافة أن لو عرجها آدمي خمسون ألف سنة ، قاله ابن عباس وابن إسحاق وجماعة من الحذاق منهم القاضي منذر بن سعيد. فإن كان العارج ملكا ، فقال مجاهد : المسافة هي من قعر الأرض السابعة إلى العرش ؛ ومن جعل الروح جنس أنواع الحيوان ، قال وهب : المسافة من وجه الأرض إلى منتهى العرش. وقال عكرمة والحكم : أراد مدة الدنيا ، فإنها خمسون ألف سنة لا يدري أحد ما مضى منها وما بقي ، أي تعرج في مدة الدنيا وبقاء هذه البنية. وقال ابن عباس أيضا : هو
__________________
(١) سورة الدخان : ٤٤ / ٥٥.
(٢) سورة النبأ : ٧٨ / ٣٨.