في استقاموا عائد على الخلق كلهم ، وأن هي المخففة من الثقيلة. (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) : كناية عن توسعة الرزق لأنه أصل المعاش. وقال بعضهم : المال حيث الماء. وقرأ الجمهور : (غَدَقاً) بفتح الدال ؛ وعاصم في رواية الأعشى : بكسرها ؛ ويقال : غدقت العين تغدق غدقا فهي غدقة ، إذا كثر ماؤها. (لِنَفْتِنَهُمْ) : أي لنختبرهم كيف يشكرون ما أنعم عليهم به ، أو لنمتحنهم ونستدرجهم ، وذلك على الخلاف في من يعود عليه الضمير في (اسْتَقامُوا). وقرأ الأعمش وابن وثاب بضم واو لو ؛ والجمهور : بكسرها. وقرأ الكوفيون : (يَسْلُكْهُ) بالياء ؛ وباقي السبعة : بالنون ؛ وابن جندب : بالنون من أسلك ؛ وبعض التابعين : بالياء من أسلك أيضا ، وهما لغتان : سلك وأسلك ، قال الشاعر :
حتى إذا أسلكوهم في قبائدة
وقرأ الجمهور : (صَعَداً) بفتحتين ، وذو مصدر صعد وصف به العذاب ، أي يعلو المعذب ويغلبه ، وفسر بشاق. يقال : فلان في صعد من أمره ، أي في مشقة. وقال عمر : ما يتصعد بي شيء كما يتصعد في خطبة النكاح ، أي ما يشق عليّ. وقال أبو سعيد الخدري وابن عباس : صعد : جبل في النار. وقال الخدري : كلما وضعوا أيديهم عليه دابت. وقال عكرمة : هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها ، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم ، فعلى هذا يجوز أن يكون بدلا من عذاب على حذف مضاف ، أي عذاب صعد. ويجوز أن يكون صعدا مفعول يسلكه ، وعذابا مفعول من أجله. وقرأ قوم : صعدا بضمتين ؛ وابن عباس والحسن : بضم الصاد وفتح العين. قال الحسن : معناه لا راحة فيه.
وقرأ الجمهور : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ) ، بفتح الهمزة عطفا على (أَنَّهُ اسْتَمَعَ) ، فهو من جملة الموحى. وقال الخليل : معنى الآية : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا) : أي لهذا السبب ، وكذلك عنده (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١) ، (فَلْيَعْبُدُوا) (٢) ، وكذلك (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ) (٣) : أي ولأن هذه. وقرأ ابن هرمز وطلحة : وإن المساجد ، بكسرها على الاستئناف وعلى تقدير الخليل ، فالمعنى : فلا تدعوا مع الله أحدا في المساجد لأنها لله خاصة ولعبادته ، والظاهر أن المساجد هي البيوت المعدة للصلاة والعبادة في كل ملة. وقال الحسن : كل موضع سجد فيه فهو مسجد ، كان مخصوصا لذلك أو لم يكن ، لأن الأرض كلها مسجد هذه الأمة. وأبعد ابن عطاء في قوله إنها الآراب التي يسجد عليها ، واحدها
__________________
(١) سورة قريش : ١٠٦ / ١.
(٢) سورة قريش : ١٠٦ / ٣.
(٣) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٥٢.