كل ذلك اللهم لا ، ثم قالوا : فما هو؟ ففكر ثم قال : ما هو إلا ساحر. أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ وما الذي يقوله إلا سحر يؤثره عن مثل مسيلمة وعن أهل بابل ، فارتج النادي فرحا وتفرّقوا متعجبين منه. وروي أن الوليد سمع من القرآن ما أعجبه ومدحه ، ثم سمع كذلك مرارا حتى كاد أن يقارب الإسلام. ودخل إلى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه مرارا ، فجاءه أبو جهل فقال : يا وليد ، أشعرت أن قريشا قد ذمّتك بدخولك إلى ابن أبي قحافة ، وزعمت أنك إنما تقصد أن تأكل طعامه؟ وقد أبغضتك لمقاربتك أمر محمد ، وما يخلصك عندهم إلا أن تقول في هذا الكلام قولا يرضيهم ، ففتنه أبو جهل فافتتن وقال : أفعل. (إِنَّهُ فَكَّرَ) : تعليل للوعيد في قوله : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً). قيل : ويجوز أن يكون (إِنَّهُ فَكَّرَ) بدلا من قوله : (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) ، بيانا لكنه عناده وفكر ، أي في القرآن ومن أتى به ، و (قَدَّرَ) : أي في نفسه ما يقول فيه. (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) ، قتل : لعن ، وقيل : غلب وقهر ، وذلك من قوله :
لسهميك في أعسار قلب مقتل
أي مذلل مقهور بالحب ، فلعن دعاء عليه بالطرد والإبعاد وغلب ، وذلك إخبار بقهره وذلته ، و (كَيْفَ قَدَّرَ) معناه : كيف قدر ما لا يصح تقديره وما لا يسوغ أن يقدره عاقل؟ وقيل : دعاء مقتضاه الاستحسان والتعجب. فقيل ذلك لمنزعه الأول في مدحه القرآن ، وفي نفيه الشعر والكهانة والجنون عنه ، فيجري مجرى قول عبد الملك بن مروان : قاتل الله كثيرا ، كأنه رآنا حين قال كذا. وقيل : ذلك لإصابته ما طلبت قريش منه. وقيل : ذلك ثناء عليه على جهة الاستهزاء. وقيل : ذلك حكاية لما كرروه من قولهم : قتل كيف قدّر ، تهكما بهم وبإعجابهم بتقديره واستعظامهم لقوله ، وهذا فيه بعد. وقولهم : قاتلهم الله ، مشهور في كلام العرب أنه يقال عند استعظام الأمر والتعجب منه ، ومعناه : أنه قد بلغ المبلغ الذي يحسد عليه ويدعى عليه من حساده ، والاستفهام في (كَيْفَ قَدَّرَ) في معنى : ما أعجب تقديره وما أغربه ، كقولهم : أي رجل زيد؟ أي ما أعظمه.
وجاء التكرار بثم ليدل على أن الثانية أبلغ من الأولى للتراخى الذي بينهما ، كأنه دعى عليه أولا ورجى أن يقلع عن ما كان يرومه فلم يفعل ، فدعى عليه ثانيا ، (ثُمَّ نَظَرَ) : أي فكر ثانيا. وقيل : نظر إلى وجوه الناس ، (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) : أي قطب وكلح لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقول. وقيل : قطب في وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم. (ثُمَّ أَدْبَرَ) : رجع مدبرا ، وقيل : أدبر عن الحق ، (وَاسْتَكْبَرَ) ، قيل : تشارس مستكبرا ، وقيل : استكبر عن