لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ ، كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ، فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ، وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ).
الكاف في محل نصب ، وذلك إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى ، أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى ، يضل الكافرين فيشكون فيزيدهم كفرا وضلالا ، ويهدي المؤمنين فيزيدهم إيمانا. (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) : إعلام بأن الأمر فوق ما يتوهم ، وأن الجزاء إنما هو عن بعض القدرة لا عن كلها ، والسماء عامرة بأنواع من الملائكة. وفي الحديث : «أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وملك واضع جبهته لله ساجدا». (وَما هِيَ) : أي النار ، قاله مجاهد ، أو المخاطبة والنذارة ، أو نار الدنيا ، أو الآيات التي ذكرت ، أو العدّة التسعة عشر ، أو الجنود ، أقوال راجحها الأول وهي سقر ، ذكر بها البشر ليخافوا ويطيعوا. وقد جرى ذكر النار أيضا في قوله : و (ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً). (إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) : أي الذين أهلوا للتذكر والاعتبار.
(كَلَّا) ، قال الزمخشري : كلا إنكار بعد أن جعلها ذكرى ، أن يكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون. انتهى. ولا يسوغ هذا في حق الله تعالى أن يخبر أنها ذكرى للبشر ، ثم ينكر أن تكون لهم ذكرى ، وإنما قوله : (لِلْبَشَرِ) عام مخصوص. وقال الزمخشري : أو ردع لمن ينكر أن يكون إحدى الكبر نذيرا. وقيل : ردع لقول أبي جهل وأصحابه أنهم يقدرون على مقاومة خزنة جهنم. وقيل : ردع عن الاستهزاء بالعدة المخصوصة. وقال الفراء : هي صلة للقسم ، وقدرها بعضهم بحقا ، وبعضهم بألا الاستفتاحية ، وقد تقدم الكلام عليها في آخر سورة مريم عليهاالسلام.
(وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) : أي ولى ، ويقال دبر وأدبر بمعنى واحد. أقسم تعالى بهذه الأشياء تشريفا لها وتنبيها على ما يظهر بها وفيها من عجائب الله وقدرته ، وقوام الوجود بإيجادها. وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وعطاء وابن يعمر وأبو جعفر وشيبة وأبو الزناد وقتادة وعمر بن العزيز والحسن وطلحة والنحويان والابنان وأبوبكر : إذا ظرف زمان مستقبل دبر بفتح الدال ؛ وابن جبير والسلمي والحسن : بخلاف عنهم ؛ وابن سيرين والأعرج وزيد بن علي وأبو شيخ وابن محيصن ونافع وحمزة وحفص : إذ ظرف زمان ماض ، أدبر رباعيا ؛ والحسن أيضا وأبو رزين وأبو رجاء وابن يعمر أيضا والسلمي أيضا وطلحة أيضا والأعمش ويونس بن عبيد ومطر : إذا بالألف ، أدبر بالهمز ، وكذا هو في مصحف عبد الله وأبيّ ، وهو مناسب لقوله : (إِذا أَسْفَرَ) ، ويقال : كأمس الدابر وأمس المدبر بمعنى واحد.