إنها ، أو من قوله : (لَإِحْدَى). قال أبو رزين : نذير هنا هو الله تعالى ، فهو منصوب بإضمار فعل ، أي ادعوا نذيرا. وقال ابن زيد : نذير هنا هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، فهو منصوب بفعل مضمر ، أي ناد ، أو بلغ ، أو أعلن. وقرأ أبيّ وابن أبي عبلة : نذير بالرفع. فإن كان من وصف النار ، جاز أن يكون خبرا وخبر مبتدأ محذوف ، أي هي نذير. وإن كان من وصف الله أو الرسول ، فهو على إضمار هو. والظاهر أن لمن بدل من البشر بإعادة الجار ، وأن يتقدم منصوب بشاء ضمير يعود على من. وقيل : الفاعل ضمير يعود على الله تعالى ، أي لمن شاء هو ، أي الله تعالى. وقال الحسن : هو وعيد ، نحو قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (١). قال ابن عطية : هو بيان في النذارة وإعلام بأن كل أحد يسلك طريق الهدى والحق إذا حقق النظر ، إذ هو بعينه يتأخر عن هذه الرتبة بغفلته وسوء نظره. ثم قوى هذا المعنى بقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ).
وقال الزمخشري : (أَنْ يَتَقَدَّمَ) في موضع الرفع بالابتداء ، و (لِمَنْ شاءَ) خبر مقدم عليه ، كقولك لمن توضأ : أن يصلي ، ومعناه مطلق لمن شاء التقدم أو التأخر أن يتقدم أو يتأخر. والمراد بالتقدم والتأخر : السبق إلى الخير والتخلف عنه ، وهو كقوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ). انتهى ، وهو معنى لا يتبادر إلى الذهن وفيه حذف. قيل : والتقدم : الإيمان ، والتأخر : الكفر. وقال السدي : أن يتقدم إلى النار المتقدم ذكرها ، أو يتأخر عنها إلى الجنة. وقال الزجاج : أن يتقدم إلى المأمورات ، أو يتأخر عن المنهيات ، والظاهر العموم في كل نفس. وقال الضحاك : كل نفس حقيق عليها العذاب ، ولا يرتهن الله تعالى أحدا من أهل الجنة ، ورهينة بمعنى رهن ، كالشتيمة بمعنى الشتم ، وليست بمعنى مفعول لأنها بغير تاء للمذكر والمؤنث ، نحو : رجل قتيل وامرأة قتيل ، فالمعنى : كل نفس بما كسبت رهن ، ومنه قول الشاعر :
أبعد الذي بالنعف نعف كويكب |
|
رهينة رمس ذي تراب وجندل |
أي : رمس رهن ، والمعنى : أن كل نفس رهن عند الله غير مفكوك. وقيل : الهاء في رهينة للمبالغة. وقيل : على تأنيث اللفظ لا على الإنسان ، والذي أختاره أنها مما دخلت فيه التاء ، وإن كان بمعنى مفعول في الأصل كالنطيحة ، ويدل على ذلك أنه لما كان خبرا عن المذكر كان بغير هاء ، قال تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) (٢). فأنت ترى حيث كان
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٢٩.
(٢) سورة الطور : ٥٢ / ٢١.