خبرا عن المذكر أتى بغير تاء ، وحيث كان خبرا عن المؤنث أتى بالتاء ، كما في هذه الآية. فأما الذي في البيت فأنث على معنى النفس. (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) ، قال ابن عباس : هم الملائكة. وقال عليّ : هم أطفال المسلمين. فعلى هذين القولين يكون استثناء منقطعا ، أي لكن أصحاب اليمين في جنات. وقال الحسن وابن كيسان : هم المسلمون المخلصون ، ليسوا بمرتهنين لأنهم أدوا ما كان عليهم ، وهذا كقول الضحاك الذي تقدم. وقال الزمخشري : (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) ، فإنهم فكوا عنه رقابهم بما أطابوه من كسبهم ، كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق. انتهى. وظاهر هذا أنه استثناء متصل في جنات ، أي هم (فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ) : أي يسأل بعضهم بعضا ، أو يكون يتساءل بمعنى يسأل ، أي يسألون عنهم غيرهم ، كما يقال : دعوته وتداعوته بمعناه. وعلى هذين التقديرين كيف جاء (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) بالخطاب للمجرمين ، وفي الكلام حذف ، المعنى : أن أصحاب اليمين يسأل بعضهم بعضا ، أو يسألون غيرهم عن من غاب من معارفهم ، فإذا عرفوا أنهم مجرمون في النار قالوا لهم ، أو قالت لهم الملائكة : هكذا قدره بعضهم ، والأقرب أن يكون التقدير : يتساءلون عن المجرمين قائلين لهم بعد التساؤل : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ).
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف طابق قوله : (ما سَلَكَكُمْ)؟ وهو سؤال للمجرمين ، قوله : (يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ)؟ وهو سؤال عنهم ، وإنما كان يطابق ذلك لو قيل يتساءلون عن المجرمين ما سلككم؟ قلت : (ما سَلَكَكُمْ) ليس ببيان للتساؤل عنهم ، وإنما هو حكاية قول المسئولين عنهم ، لأن المسئولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين فيقولون : قلنا لهم (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) ، (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) ، إلا أن الكلام جيء به على الحذف والاختصار ، كما هو نهج التنزيل في غرابة نظمه. انتهى ، وفيه تعسف. والأظهر أن السائلين هم المتسائلون ، وما سلككم على إضمار القول كما ذكرنا ، وسؤالهم سؤال توبيخ لهم وتحقير ، وإلا فهم عالمون ما الذي أدخلهم النار. والجواب أنهم لم يكونوا متصفين بخصائل الإسلام من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، ثم ارتقوا من ذلك إلى الأعظم وهو الكفر والتكذيب بيوم الجزاء ، كقولهم : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١) ، ثم قال : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (٢). واليقين : أي يقينا على إنكار يوم الجزاء ، أي وقت الموت. وقال ابن عطية : واليقين عندي صحة ما كانوا يكذبون من الرجوع إلى الله تعالى والدار الآخرة. وقال المفسرون : اليقين : الموت ، وذلك عندي هنا متعقب ، لأن نفس
__________________
(١) سورة البلد : ٩٠ / ١١.
(٢) سورة البلد : ٩٠ / ١٧.