الموت يقين عند الكافر وهو حي. وإنما اليقين الذي عنوا في هذه الآية الشيء الذي كانوا يكذبون به وهم أحياء في الدنيا فتيقنوه بعد الموت ، وإنما يتفسر اليقين بالموت في قوله تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (١). (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) : ليس المعنى أنهم يشفع لهم فلا تنفع شفاعة من يشفع لهم ، وإنما المعنى نفي الشفاعة فانتفى النفع ، أي لا شفاعة شافعين لهم فتنفعهم من باب :
على لاحب لا يهتدى بمناره
أي : لا منار له فيهتدي به. وتخصيصهم بانتفاء شفاعة الشافعين يدل على أنه قد تكون شفاعات وينتفع بها ، ووردت أحاديث في صحة ذلك. (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ) : وهي مواعظ القرآن التي تذكر الآخرة ، (مُعْرِضِينَ) : أي والحال المنتظرة هذه الموصوفة. ثم شبههم بالحمر المستنفرة في شدة إعراضهم ونفارهم عن الإيمان وآيات الله تعالى. وقرأ الجمهور : (حُمُرٌ) بضم الميم ؛ والأعمش : بإسكانها. قال ابن عباس : المراد الحمر الوحشية ، شبههم تعالى بالحمر مذمة وتهجينا لهم. وقرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عاصم : (مُسْتَنْفِرَةٌ) بفتح الفاء ، والمعنى : استنفرها : فزعها من القسورة ؛ وباقي السبعة : بكسرها ، أي نافرة نفر ، واستنفر بمعنى عجب واستعجب وسر واستسخر ، ومنه قول الشاعر :
أمسك حمارك إنه مستنفر |
|
في إثر أحمرة عهدن لعرّب |
ويناسب الكسر قوله : (فَرَّتْ). وقال محمد بن سلام : سألت أبا سرار العتوي ، وكان أعرابيا فصيحا ، فقلت : كأنهم حمر ماذا مستنفرة طردها قسورة؟ فقلت : إنما هو (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) ، قال : أفرّت؟ قلت : نعم ، قال : فمستنفرة إذن. قال ابن عباس وأبو موسى الأشعري وقتادة وعكرمة : القسورة : الرماة. وقال ابن عباس أيضا وأبو هريرة وجمهور من اللغويين : الأسد. وقال ابن جبير : رجال القنص ، وهو قريب من القول الأول ، وقاله ابن عباس أيضا. وقال ابن الأعرابي : القسورة أول الليل ، والمعنى : فرّت من ظلمة الليل ، ولا شيء أشدّ نفارا من حمر الوحش ، ولذلك شبهت بها العرب الإبل في سرعة سيرها وخفتها.
(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) : أي من المعرضين عن عظات الله وآياته ، (أَنْ يُؤْتى
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ / ٩٩.