(وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) : أي مقبولا مثابا. قال قتادة : لقد شكر الله سعيا قليلا ، وهذا على إضمار يقال لهم. وهذا القول لهم هو على سبيل التهنئة والسرور لهم بضد ما يقال للمعاقب : إن هذا بعملك الرديء ، فيزداد غما وحزنا.
ولما ذكر أولا حال الإنسان وقسمه إلى العاصي والطائع ، ذكر ما شرف به نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم ، فقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) ، وأمره بالصبر بحكمه ، وجاء التوكيد بأن لمضمون الخبر ومدلول المخبر عنه ، وأكد الفعل بالمصدر. (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ، قال قتادة : نزلت في أبي جهل ، قال : إن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تُطِعْ) الآية. والنهي عن طاعة كل واحد منهما أبلغ من النهي عن طاعتهما ، لأنه يستلزم النهي عن أحدهما ، لأن في طاعتهما طاعة أحدهما. ولو قال : لا تضرب زيدا وعمرا ، لجاز أن يكون نهيا عن ضربهما جميعا ، لا عن ضرب أحدهما. وقال أبو عبيدة : أو بمعنى الواو ، والكفور ، وإن كان إثما ، فإن فيه مبالغة في الكفر. ولما كان وصف الكفور مباينا للموصوف لمجرّد الإثم ، صلح التغاير فحسن العطف. وقيل : الآثم عتبة ، والكفور الوليد ، لأن عتبة كان ركابا للمآثم متعاطيا لأنواع الفسوق ؛ وكان الوليد غالبا في الكفر ، شديد الشكيمة في العتوّ.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً) : يعني صلاة الصبح ، (وَأَصِيلاً) : الظهر والعصر. (وَمِنَ اللَّيْلِ) : المغرب والعشاء. وقال ابن زيد وغيره : كان ذلك فرضا ونسخ ، فلا فرض إلا الخمس. وقال قوم : هو محكم على وجه الندب. (إِنَّ هؤُلاءِ) : إشارة إلى الكفرة. (يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) : يؤثرونها على الدنيا. (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) : أي أمامهم ، وهو ما يستقبلون من الزمان. (يَوْماً ثَقِيلاً) : استعير الثقل لليوم لشدته ، وهو له من ثقل الجرم الذي يتعب حامله. وتقدم شرح الأسر في سورة القتال. (وَإِذا شِئْنا) : أي تبديل أمثالهم بإهلاكهم ، (بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ) ممن يطيع. وقال الزمخشري : وحقه أن يجيء بإن لا بإذا ، كقوله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) (١) ، (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) (٢). انتهى. يعني أنهم قالوا إن إذا للمحقق وإن للممكن ، وهو تعالى لم يشأ ، لكنه قد توضع إذا موضع إن ، وإن موضع إذا ، كقوله : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (٣).
__________________
(١) سورة محمد : ٤٧ / ٣٨.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٣٣ ، وسورة إبراهيم : ١٤ / ١١٩ ، وسورة فاطر : ٣٥ / ١٦.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٤.