السحاب ينعصر فيخرج منه الماء. وقيل : السحاب التي فيها الماء ولم تمطر. وقال ابن كيسان : سميت بذلك من حيث تغيث ، فهي من العصرة ، ومنه قوله : (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) (١). والعاصر : المغيث ، فهو ثلاثي ؛ وجاء هنا من أعصر : أي دخلت في حين العصر ، فحان لها أن تعصر ، وأفعل للدخول في الشيء. وقال ابن عباس أيضا ومجاهد وقتادة : الرياح لأنها تعصر السحاب ، جعل الإنزال منها لما كانت سببا فيه. وقرأ ابن الزبير وابن عباس والفضل بن عباس أخوه وعبد الله بن يزيد وعكرمة وقتادة : بالمعصرات ، بالباء بدل من. قال ابن عطية : فهذا يقوي أنه أراد الرياح. وقال الزمخشري : فيه وجهان : أن يراد بالرياح التي حان لها أن تعصر السحاب ، وأن يراد السحاب ، لأنه إذا كان الإنزال منها فهو بها ، كما تقول : أعطى من يده درهما ، وأعطى بيده درهما. (ثَجَّاجاً) : منصبا بكثرة ، ومنه أفضل الحج العج والثج : أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي. وقرأ الأعرج : ثجاحا بالحاء : آخرا ، ومساجح الماء : مصابه ، والماء ينثجح في الوادي. (حَبًّا وَنَباتاً) : بدأ بالحب لأنه الذي يتقوت به ، كالحنطة والشعير ، وثنى بالنبات فشمل كل ما ينبت من شجر وحشيش ودخل فيه الحب. (أَلْفافاً) : ملتفة ، قال الزمخشري : ولا واحد له ، كالأوزاع والأخياف. وقيل : الواحد لف : قال صاحب الإقليد : أنشدني الحسن بن علي الطوسي :
جنة لف وعيش مغدق |
|
وندامى كلهم بيض زهر |
ولو قيل : هو جمع ملتفة بتقدير حذف الزوائد لكان قولا وجيها. انتهى. ولا حاجة إلى هذا القول ولا إلى وجاهته ، فقد ذكر في المفردات أن مفرده لف بكسر اللام ، وأنه قول جمهور أهل اللغة. (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) : هو يوم القيامة يفصل فيه بين الحق والباطل ، (كانَ مِيقاتاً) : أي في تقدير الله وحكمه تؤقت به الدنيا وتنتهي عنده أو حدا للخلائق ينتهون إليه. (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) : بدل من يوم الفصل. قال الزمخشري : أو عطف بيان ، وتقدم الكلام في الصور. وقرأ أبو عياض : في الصور بفتح الواو جمع صورة ، أي يرد الله الأرواح إلى الأبدان ؛ والجمهور : بسكون الواو. و (فَتَأْتُونَ) من القبور إلى الموقف أمما ، كل أمة بإمامها. وقيل : جماعات مختلفة. وذكر الزمخشري حديثا في كيفيات قبيحة لعشرة أصناف يخلقون عليها ، وسبب خلقه من خلق على تلك الكيفية الله أعلم بصحته. وقرأ الكوفيون : (وَفُتِحَتِ) : خف ؛ والجمهور : بالتشديد ، (فَكانَتْ أَبْواباً) تنشق حتى يكون فيها فتوح
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٤٩.