(فَتَنْفَعَهُ) ، برفع العين عطفا على (أَوْ يَذَّكَّرُ) ؛ وعاصم في المشهور ، والأعرج وأبو حيوة وابن أبي عبلة والزعفرني : بنصبهما. قال ابن عطية : في جواب التمني ، لأن قوله : (أَوْ يَذَّكَّرُ) في حكم قوله (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى). انتهى. وهذا ليس تمنيا ، إنما هو ترج وفرق بين الترجي والتمني. وقال الزمخشري : وبالنصب جوابا للعل ، كقوله : (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) (١). انتهى. والترجي عند البصريين لا جواب له ، فينصب بإضمار أن بعد الفاء. وأما الكوفيون فيقولون : ينصب في جواب الترجي ، وقد تقدم لنا الكلام على ذلك في قوله : (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) في قراءة حفص ، ووجهنا مذهب البصريين في نصب المضارع.
(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) : ظاهره من كان ذا ثروة وغنى. وقال الكلبي : عن الله. وقيل : عن الإيمان بالله. قيل : وكونه بمعنى الثروة لا يليق بمنصب النبوة ، ويدل على ذلك أنه لو كان من الثروة لكان المقابل : وأما من جاءك فقيرا حقيرا. وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والأعرج وعيسى والأعمش وجمهور السبعة : (تَصَدَّى) بخف الصاد ، وأصله يتصدى فحذف ؛ والحرميان : بشدها ، أدغم التاء في الصاد ؛ وأبو جعفر : تصدى ، بضم التاء وتخفيف الصاد ، أي يصدك حرصك على إسلامه. يقال : تصدى الرجل وصديته ، وهذا المستغنى هو الوليد ، أو أمية ، أو عتبة وشيبة ، أو أمية وجميع المذكورين في سبب النزول ، أقوال. قال القرطبي : وهذا كله غلط من المفسرين ، لأنه أمية والوليد كانا بمكة ، وابن أم مكتوم كان بالمدينة ما حضر معهما ، وماتا كافرين ، أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ، ولم يقصد قط أمية المدينة ، ولا حضر معه مفردا ولا مع أحد. انتهى. والغلط من القرطبي ، كيف ينفي حضور ابن أم مكتوم معهما؟ وهو وهم منه ، وكلهم من قريش ، وكان ابن أم مكتوم بها. والسورة كلها مكية بالإجماع. وكيف يقول : وابن أم مكتوم بالمدينة؟ كان أولا بمكة ، ثم هاجر إلى المدينة ، وكانوا جميعهم بمكة حين نزول هذه الآية. وابن أم مكتوم هو عبد الله بن سرح بن مالك بن ربيعة الفهري ، من بني عامر بن لؤي ، وأم مكتوم أم أبيه عاتكة ، وهو ابن خال خديجة رضياللهعنها.
(وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) : تحقير لأمر الكافر وحض على الإعراض عنه وترك الاهتمام به ، أي : وأي شيء عليك في كونه لا يفلح ولا يتطهر من دنس الكفر؟ (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) : أي يمشي بسرعة في أمر دينه ، (وَهُوَ يَخْشى) : أي يخاف الله ، أو يخاف الكفار وأذاهم ، أو يخاف العثار والسقوط لكونه أعمى ، وقد جاء بلا قائد يقوده. (تَلَهَّى) :
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٣٧.