(حُشِرَتْ) : أي جمعت من كل ناحية. فقال ابن عباس : جمعت بالموت ، فلا تبعث ولا يحضر في القيامة غير الثقلين. وعنه وعن قتادة وجماعة : يحشر كل شيء حتى الذباب. وعنه : تحشر الوحوش حتى يقتص من بعضها لبعض ، ثم يقتص للجماء من القرناء ، ثم يقال لها موتي فتموت. وقيل : إذا قضى بينها ردت ترابا فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم وإعجاب بصورته ، كالطاووس ونحوه. وقال أبيّ : في الدنيا في أول الهول تفر في الأرض وتجتمع إلى بني آدم تآنسا بهم. وقرأ الجمهور : (حُشِرَتْ) بخف الشين ؛ والحسن وعمرو بن ميمون : بشدها. (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) : تقدم أقوال العلماء في سجر البحر في الطور ، والبحر المسجور ، وفي كتاب لغات القراءات ، سجرت : جمعت ، بلغة خثعم. وقال هنا ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى : ملكت وقيد اضطرابها حتى لا تخرج على الأرض من الهول ، فتكون اللفظة مأخوذة من ساجور الكلب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : بخف الجيم ؛ وباقي السبعة : بشدها.
قال ابن عطية : وذهب قوم إلى أن هذه الأشياء المذكورة استعارات في كل ابن آدم وأحواله عند الموت. فالشمس نفسه ، والنجوم عيناه وحواسه ، وهذا قول ذاهب إلى إثبات الرموز في كتاب الله تعالى. انتهى. وهذا مذهب الباطنية ، ومذاهب من ينتمي إلى الإسلام من غلاة الصوفية ، وقد أشرنا إليهم في خطبة هذا الكتاب ؛ وإنما هؤلاء زنادقة تستروا بالانتماء إلى ملة الإسلام. وكتاب الله جاء بلسان عربي مبين ، لا رمز فيه ولا لغز ولا باطن ، ولا إيماء لشيء مما تنتحله الفلاسفة ولا أهل الطبائع. ولقد ضمن تفسيره أبو عبد الله الرازي المعروف بابن خطيب الري أشياء مما قاله الحكماء عنده وأصحاب النجوم وأصحاب الهيئة ، وذلك كله بمعزل عن تفسير كتاب الله عزوجل. وكذلك ما ذكره صاحب التحرير والتحبير في آخر ما يفسره من الآيات من كلام من ينتمي إلى الصوف ويسميها الحقائق ، وفيها ما لا يحل كتابته ، فضلا عن أن يعتقد ، نسأل الله تعالى السلامة في ديننا وعقائدنا وما به قوام ديننا ودنيانا.
(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) : أي المؤمن مع المؤمن والكافر مع الكافر ، كقوله : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) (١) ، قاله عمرو ابن عباس ؛ أو نفوس المؤمنين بأزواجهم من الحور العين وغيرهن ، قاله مقاتل بن سليمان ؛ أو الأزواج الأجساد ، قاله عكرمة والضحاك
__________________
(١) سورة الواقعة : ٥٦ / ٧.