ومن ذهب يبين على تريب |
|
كلون العاج ليس بذي غصون |
الهزل : ضدّ الجد ، وقال الكميت :
تجدّ بنا في كل يوم وتهزل
أمهلت الرجل : انتظرته ، والمهل والمهلة : السكينة ، ومهلته أيضا تمهيلا وتمهل في أمره : اتأد ، واستمهلته : انتظرته ، ويقال مهلا : أي رفقا وسكونا. رويدا : مصدر أرود يرود ، مصغر تصغير الترخيم ، وأصله إروادا. وقيل : هو تصغير رود ، من قوله : يمشي على رود : أي مهل ، ويستعمل مصدرا نحو : رويد عمرو بالإضافة : أي إمهال عمرو ، كقوله : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) (١) ، ونعتا لمصدر نحو : ساروا سيرا رويدا ؛ وحالا نحو : سار القوم رويدا ، ويكون اسم فعل ، وهذا كله موضح في علم النحو ، والله تعالى أعلم.
(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ ، وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ ، إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ، فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ، خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ ، إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ، فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ ، وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ ، وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ ، إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ، وَما هُوَ بِالْهَزْلِ ، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً ، وَأَكِيدُ كَيْداً ، فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً).
هذه السورة مكية ، ولما ذكر فيما قبلها تكذيب الكفار للقرآن ، نبه هنا على حقارة الإنسان ، ثم استطرد منه إلى أن هذا القرآن قول فصل جد ، لا هزل فيه ولا باطل يأتيه. ثم أمر نبيه بإمهال هؤلاء الكفرة المكذبين ، وهي آية موادعة منسوخة بآية السيف. (وَالسَّماءِ) : هي المعروفة ، قاله الجمهور. وقيل : السماء هنا المطر ، (وَالطَّارِقِ) : هو الآتي ليلا ، أي يظهر بالليل. وقيل : لأنه يطرق الجني ، أي يصكه ، من طرقت الباب إذا ضربته ليفتح لك. أتى بالطارق مقسما به ، وهي صفة مشتركة بين النجم الثاقب وغيره. ثم فسره بقوله : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) ، إظهارا لفخامة ما أقسم به لما علم فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة ، وتنبيها على ذلك. كما قال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (٢).
وقال ابن عطية : معنى الآية : والسماء وجميع ما يطرق فيه من الأمور والمخلوقات. ثم ذكر بعد ذلك ، على جهة التنبيه ، أجل الطارقات قدرا وهو النجم الثاقب ، وكأنه قال :
__________________
(١) سورة محمد : ٤٧ / ٤.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦ / ٧٥ ـ ٧٦.