أبيض كالرجع رسوب إذا |
|
ما ناح في محتفل يختلي |
يصف سيفا شبهه بماء المطر في بياضه وصفائه ، وسمي رجعا كما سمي إربا ، قال الشاعر :
ربا شمالا يأوي لقلتها |
|
إلا السحاب وإلا الإرب والسبل |
تسمية بمصدر آب ورجع. تزعم العرب أن السحاب يحمل الماء من بحار الأرض ثم يرجعه إلى الأرض إذا أرادوا التفاؤل ، وسموه رجعا وإربا ليرجع ويؤب. وقيل : لأن الله تعالى يرجعه وقتا فوقتا ، قالت الخنساء :
كالرجع في الموجنة السارية
وقيل : الرجع : الملائكة ، سموا بذلك لرجوعهم بأعمال العباد. وقيل : السحاب ، والمشهور عند أهل اللغة وقول الجمهور : أن الرجع هو المطر ، والصدع : ما تتصدع عنه الأرض من النبات ، ويناسب قول من قال : الرجع : المطر. وقال ابن زيد : ذات الانشقاق : النبات. وقال أيضا : ذات الحرث. وقال مجاهد : الصدع : ما في الأرض من شقاق ولصاب وخندق وتشقق بحرث وغيره ، وهي أمور فيها معتبر ، وعنه أيضا : ذات الطرق تصدعها المشاة. وقيل : ذات الأموات لانصداعها عنهم يوم النشور. والضمير في (إِنَّهُ) ، قالوا عائد على القرآن. (فَصْلٌ) أي فاصل بين الحق والباطل ، كما قيل له فرقان. وأقول : ويجوز أن يعود الضمير في (إِنَّهُ) على الكلام الذي أخبر فيه ببعث الإنسان يوم القيامة ، وابتلاء سرائره : أي إن ذلك القول قول جزم مطابق للواقع لا هزل فيه ، ويكون الضمير قد عاد على مذكور ، وهو الكلام الذي تضمن الأخبار عن البعث ، وليس من الأخبار التي فيها هزل بل هو جد كله. (إِنَّهُمْ) : أي الكافرون ، (يَكِيدُونَ) : أي في إبطال أمر الله وإطفاء نور الحق ، (وَأَكِيدُ) : أي أجازيهم على كيدهم ، فسمى الجزاء كيدا على سبيل المقابلة ، نحو قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) (١) ، (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (٢) ، (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٣).
ثم أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم فقال : (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) : أي انتظر عقوبتهم ولا تستعجل ذلك ثم أكد أمره فقال : (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) : أي إمهالا لما كرر الأمر توكيدا خالف بين اللفظين ، على أن الأول مطلق ، وهذا الثاني مقيد بقوله : (رُوَيْداً). وقرأ ابن عباس : مهلهم ، بفتح الميم وشدّ الهاء موافقة للفظ الأمر الأول.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٥٤.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٤.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٥.