فإنه اجتمع فيها ما تفرق من المنافع في غيرها ، من أكل لحمها ، وشرب لبنها ، والحمل عليها ، والتنقل عليها إلى البلاد الشاسعة ، وعيشها بأي نبات أكلته ، وصبرها على العطش حتى أن فيها ما يرد الماء لعشر ، وطواعيتها لمن يقودها ، ونهضتها وهي باركة بالأحمال الثقال ، وكثرة حنينها ، وتأثرها بالصوت الحسن على غلظ أكبادها ، وهي لا شيء من الحيوان جميع هذه الخصال غيرها. وقد أبان تعالى امتنانه عليهم بقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) (١) ، الآيات. ولكونها أفضل ما عند الغرب ، جعلوها دية القتل ، ووهبوا المائة منها من يقصدهم ومن أرادوا إكرامه ، وذكرها الشعراء في مدح من وهبها ، كما قال :
أعطوا هنيدة تحدوها ثمانية
وقال آخر :
الواهب المائة الهجان برمتها
وناسب التنبيه بالنظر إليها وإلى ما حوت من عجائب الصفات ، ما ذكر معها من السماء والجبال والأرض لانتظام هذه الأشياء في نظر العرب في أوديتهم وبواديهم ، وليدل على الاستدلال على إثبات الصانع ، وأنه ليس مختصا بنوع دون نوع ، بل هو عام في كل موجوداته ، كما قيل :
وفي كل شيء له آية |
|
تدل على أنه واحد |
وقال أبو العباس : المبرد : الإبل هنا السحاب ، لأن العرب قد تسميها بذلك ، إذ تأتي إرسالا كالإبل ، وتزجى كما تزجى الإبل ، وهي في هيئتها أحيانا تشبه الإبل والنعام ، ومنه قوله :
كأن السحاب ذوين السماء |
|
نعام تعلق بالأجل |
وقال الزمخشري : ولم يدع من زعم أن الإبل السحاب إلى قوله إلا طلب المناسبة ، ولعله لم يرد أن الإبل من أسماء السحاب ، كالغمام والمزن والرباب والغيم وغير ذلك ، وإنما رأى السحاب مشبها بالإبل كثيرا في أشعارهم ، فجوّز أن يراد بها السحاب على طريقة التشبيه والمجاز ، انتهى. وقرأ الجمهور : (الْإِبِلِ) بكسر الباء وتخفيف اللام ؛
__________________
(١) سورة يس : ٣٦ / ١٧١.