أي فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى فاستحق العذاب الأكبر ، وما بينهما اعتراض. وقيل : منقطع ، وهي آية موادعة نسخت بآية السيف. وقرأ ابن عباس وزيد بن عليّ وقتادة وزيد بن أسلم : ألا حرف تنبيه واستفتاح ، والعذاب الأكبر هو عذاب جهنم.
وقرأ الجمهور : (إِيابَهُمْ) بتخفيف الياء مصدر آب ؛ وأبو جعفر وشيبة : بشدّها مصدرا لفعيل من آب على وزن فيعال ، أو مصدرا كفوعل كحوقل على وزن فيعال أيضا كحيقال ، أو مصدر الفعول كجهور على وزن فعوال كجهوار فأصله أوواب فقلبت الواو الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ؛ واجتمع في هذا البناء والبناءين قبله واو وياء ، وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ، وأدغم ولم يمنع الإدغام من القلب لأن الواو والياء ليستا عينين من الفعل ، بل الياء في فيعل والواو في فعول زائدتان. وقال صاحب اللوامح ، وتبعه الزمخشري : يكون أصله إوابا مصدر أوّب ، نحو كذّب كذابا ، ثم قيل إوابا فقلبت الواو الأولى ياء لانكسار ما قبلها. قال الزمخشري : كديوان في دوان ، ثم فعل به ما فعل بسيد ، يعني أنه اجتمع ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الواو ، فأما كونه مصدر أوب فإنه لا يجوز ، لأنهم نصوا على أن الواو الأولى إذا كانت موضوعة على الإدغام وجاء ما قبلها مكسورا فلا تقلب الواو الأولى ياء لأجل الكسرة ، ومثلوا بأخرواط مصدر اخروّط ، ومثلوا أيضا بمصدر أوب نحو أوّب إوابا ، فهذه وضعت على الإدغام ، فحصنها من الإبدال ولم تتأثر للكسر.
وأما تشبيه الزمخشري بديوان فليس بجيد لأنهم لم ينطقوا بها في الوضع مدغمة ، فلم يقولوا دوّان ، ولو لا الجمع على دواوين لم يعلم أن أصل هذه الياء واو ، وأيضا فنصوا على شذوذ ديوان فلا يقاس عليه غيره. وقال ابن عطية : ويصح أن يكون من أأوب ، فيجيء إيوابا ، سهلت الهمزة ، وكان اللازم في الإدغام يردها إوابا ، لكن استحسنت فيه الياء على غير قياس ، انتهى. فقوله : وكان اللازم في الإدغام بردها إوابا ليس بصحيح ، بل اللازم إذا اعتبر الإدغام أن يكون إيابا ، لأنه قد اجتمعت ياء وهي المبدلة من الهمزة بالتسهيل. وواو وهي عين الكلمة وإحداهما ساكنة ، فتقلب الواو ياء وتدغم فيها الياء فيصير إيابا.
ولما كان من مذهب الزمخشري أن تقديم المعمول يفيد الحصر ، قال معناه : أن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام ، وأن حسابهم ليس بواجب إلا عليه تعالى ، وهو الذي يحاسب على النقير والقطمير ، ومعنى الوجوب : الوجوب في الحكمة ، والله أعلم.