وأ يصبر أم يجزع إذا ضيق عليه؟ لقوله تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (١). وقابل ونعمه بقوله : (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) ، ولم يقابل (فَأَكْرَمَهُ) بلفظ فأهانه ، لأنه ليس من يضيق عليه الرزق ، كان ذلك إهانة له. ألا ترى إلى ناس كثير من أهل الصلاح مضيقا عليهم الرزق كحال الإمام أبي سليمان داود بن علي الأصبهاني رضي الله تعالى عنه وغيره ، وذم الله تعالى العبد في حالتيه هاتين.
أما في قوله : (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) ، فلأنه إخبار منه على أنه يستحق الكرامة ويستوجبها. وأما قوله : (أَهانَنِ) ، فلأنه سمى ترك التفضيل من الله تعالى إهانة وليس بإهانة ، أو يكون إذا تفضل عليه أقر بإحسان الله إليه ، وإذا لم يتفضل عليه سمى ترك تفضل الله إهانة ، لا إلى الاعتراف بقوله : (أَكْرَمَنِ). وقرأ ابن كثير : أكرمني وأهانني بالياء فيهما ؛ ونافع : بالياء وصلا وحذفها وقفا ، وخير في الوجهين أبو عمرو ، وحذفها باقي السبعة فيهما وصلا ووقفا ، ومن حذفها وقفا سكن النون فيه. وقرأ الجمهور : (فَقَدَرَ) بخف الدال ؛ وأبو جعفر وعيسى وخالد والحسن بخلاف عنه ؛ وابن عامر : بشدها. قال الجمهور : هما بمعنى واحد بمعنى ضيق ، والتضعيف فيه للمبالغة لا للتعدي ، ولا يقتضي ذلك قول الإنسان (أَهانَنِ) ، لأن إعطاء ما يكفيه لا إهانة فيه. (كَلَّا) : رد على قولهم ومعتقدهم ، أي ليس إكرام الله وتقدير الرزق سببه ما ذكرتم ، بل إكرامه العبد : تيسيره لتقواه ، وإهانته : تيسيره للمعصية ؛ ثم أخبرهم بما هم عليه من أعمالهم السيئة. وقال الزمخشري : كلا ردع للإنسان عن قوله ، ثم قال : بل هنا شر من هذا القول ، وهو أن الله تعالى يكرمهم بكثرة المال ، فلا يؤدون فيها ما يلزمهم من إكرام اليتيم بالتفقد والمبرة وحض أهله على طعام المسكين ويأكلونه أكل الأنعام ويحبونه فيشحون به ، انتهى. وفي الحديث : «أحب البيوت إلى الله تعالى بيت فيه يتيم مكرم». وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو عمر : يكرمون ولا يحضون ، ويأكلون ويحبون بياء الغيبة فيها ؛ وباقي السبعة ، بتاء الخطاب ، وأبو جعفر وشيبة والكوفيون وابن مقسم : تحاضون بفتح التاء والألف أصله تتحاضون ، وهي قراءة الأعمش ، أي يحض بعضكم بعضا ؛ وعبد الله أو علقمة وزيد بن عليّ وعبد الله بن المبارك والشيرزي عن الكسائي : كذلك إلا أنهم ضموا التاء ، أي تحاضون أنفسكم ، أي بعضكم بعضا ، وتفاعل وفاعل يأتي بمعنى فعل أيضا. (عَلى
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٥.