وتعديد هذه النعم عليه صلىاللهعليهوسلم يقتضي أنه تعالى كما أحسن إليك بهذه المراتب ، فإنه يحسن إليك بظفرك على أعدائك وينصرك عليهم. وكان الكفار أيضا يعيرون المؤمنين بالفقر ، فذكره هذه النعم وقوى رجاءه بقوله : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) : أي مع الضيق فرجا. ثم كرر ذلك مبالغة في حصول اليسر. ولما كان اليسر يعتقب العسر من غير تطاول أزمان ، جعل كأنه معه ، وفي ذلك تبشيرا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بحصول اليسر عاجلا. والظاهر أن التكرار للتوكيد ، كما قلنا. وقيل : تكرر اليسر باعتبار المحل ، فيسر في الدنيا ويسر في الآخرة. وقيل : مع كل عسر يسر ، إن من حيث أن العسر معرف بالعهد ، واليسر منكر ، فالأول غير الثاني. وفي الحديث : «لن يغلب عسر يسرين». وضم سين العسر ويسرا فيهن ابن وثاب وأبو جعفر وعيسى ، وسكنهما الجمهور.
ولما عدد تعالى نعمه السابقة عليه صلىاللهعليهوسلم ، ووعده بتيسير ما عسره ، أمره بأن يدأب في العبادة إذا فرغ من مثلها ولا يفتر. وقال ابن مسعود : (فَإِذا فَرَغْتَ) من فرضك ، (فَانْصَبْ) في التنفل عبادة لربك. وقال أيضا : (فَانْصَبْ) في قيام الليل. وقال مجاهد : قال (فَإِذا فَرَغْتَ) من شغل دنياك ، (فَانْصَبْ) في عبادة ربك. وقال ابن عباس وقتادة : (فَإِذا فَرَغْتَ) من الصلاة ، (فَانْصَبْ) في الدعاء. وقال الحسن : (فَإِذا فَرَغْتَ) من الجهاد ، (فَانْصَبْ) في العبادة. ويعترض قوله هذا بأن الجهاد فرض بالمدينة. وقرأ الجمهور : (فَرَغْتَ) بفتح الراء ؛ وأبو السمال : بكسرها ، وهي لغة. قال الزمخشري : ليست بفصيحة. وقرأ الجمهور : (فَانْصَبْ) بسكون الباء خفيفة ، وقوم : بشدها مفتوحة من الأنصاب. وقرأ آخرون من الإمامية : فانصب بكسر الصاد بمعنى : إذا فرغت من الرسالة فانصب خليفة. قال ابن عطية : وهي قراءة شاذة ضعيفة المعنى لم تثبت عن عالم ، انتهى. وقرأ الجمهور : (فَارْغَبْ) ، أمر من رغب ثلاثيا : أي اصرف وجه الرغبات إليه لا إلى سواه. وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة : فرغت ، أمر من رغب بشد الغين.