ابن عطية. وفي كتاب التحرير : مدنية ، وهو قول الجمهور. وروى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية ، واختاره يحيى بن سلام. ولما ذكر إنزال القرآن ، وفي السورة التي قبلها (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (١) ، ذكر هنا أن الكفار لم يكونوا منفكين عن ما هم عليه حتى جاءهم الرسول يتلو عليهم ما أنزل عليه من الصحف المطهرة التي أمر بقراءتها ، وقسم الكافرين هنا إلى أهل كتاب وأهل إشراك. وقرأ بعض القراء : والمشركون رفعا عطفا على (الَّذِينَ كَفَرُوا). والجمهور : بالجر عطفا على (أَهْلِ الْكِتابِ) ، وأهل الكتاب اليهود والنصارى ، والمشركون عبدة الأوثان من العرب. وقال ابن عباس : أهل الكتاب اليهود الذين كانوا بيثرب هم قريظة والنضير وبنو قينقاع ، والمشركون الذين كانوا بمكة وحولها والمدينة وحولها.
قال مجاهد وغيره : لم يكونوا منفكين عن الكفر والضلال حتى جاءتهم البينة. وقال الفراء وغيره : لم يكونوا منفكين عن معرفة صحة نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم والتوكف لأمره حتى جاءتهم البينة ، فتفرقوا عند ذلك. وقال الزمخشري : كان الكفار من الفريقين يقولون قبل المبعث : لا ننفك مما نحن فيه من ديننا حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، فحكى الله ما كانوا يقولونه. وقال ابن عطية : ويتجه في معنى الآية قول ثالث بارع المعنى ، وذلك أنه يكون المراد : لم يكن هؤلاء القوم منفكين من أمر الله تعالى وقدرته ونظره لهم حتى يبعث الله تعالى إليهم رسولا منذرا تقوم عليهم به الحجة ويتم على من آمن النعمة ، فكأنه قال : ما كانوا ليتركوا سدى ، ولهذا نظائر في كتاب الله تعالى ، انتهى. وقيل : لم يكونوا منفكين عن حياتهم فيموتوا حتى تأتيهم البينة. والظاهر أن المعنى : لم يكونوا منفكين ، أي منفصلا بعضهم من بعض ، بل كان كل منهم مقرّا الآخر على ما هو عليه مما اختاره لنفسه ، هذا من اعتقاده في شريعته ، وهذا من اعتقاده في أصنامه ، والمعنى أنه اتصلت مودّتهم واجتمعت كلمتهم إلى أن أتتهم البينة.
وقيل : معنى منفكين : هالكين ، من قولهم : انفك صلا المرأة عند الولادة ، وأن ينفصل فلا يلتئم ، والمعنى : لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، انتهى. ومنفكين اسم فاعل من انفك ، وهي التامة وليست الداخلة على المبتدأ والخبر. وقال بعض النحاة : هي الناقصة ، ويقدر منفكين : عارفين أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ، أو نحو هذا ، وخبر كان وأخواتها لا يجوز حذفه لا اقتصارا ولا اختصارا ، نص
__________________
(١) سورة العلق : ٩٦ / ١.