أوحى لها القرار فاستقرت |
|
وشدها بالراسيات الثبت |
فعداها باللام. وقيل : الموحى إليه محذوف ، أي أوحى إلى ملائكته المصرفين أن تفعل في الأرض تلك الأفعال. واللام في لها للسبب ، أي من أجلها ومن حيث الأفعال فيها. وإذا كان الإيحاء إليها ، احتمل أن يكون وحي إلهام ، واحتمل أن يكون برسول من الملائكة. (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ) : انتصب يومئذ بيصدر ، والصدر يكون عن ورد. وقال الجمهور : هو كونهم في الأرض مدفونين ، والصدر قيامهم للبعث ، و (أَشْتاتاً) : جمع شت ، أي فرقا مؤمن وكافر وعاص سائرون إلى العرض ، (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ). وقال النقاش : الصدر قوم إلى الجنة وقوم إلى النار ، ووردهم هو ورد المحشر. فعلى الأول المعنى : ليرى عمله ويقف عليه ، وعلى قول النقاش : ليرى جزاء عمله وهو الجنة والنار. والظاهر تعلق (لِيُرَوْا) بقوله (يَصْدُرُ). وقيل : بأوحى لها وما بينهما اعتراض. وقال ابن عباس : أشتاتا : متفرقين على قدر أعمالهم ، أهل الأيمان على حدة ، وأهل كل دين على حدة. وقال الزمخشري : أشتاتا : بيض الوجوه آمنين ، وسود الوجوه فزعين ، انتهى. ويحتمل أن يكون أشتاتا ، أي كل واحد وحده ، لا ناصر له ولا عاضد ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) (١).
وقرأ الجمهور : (لِيُرَوْا) بضم الياء ؛ والحسن والأعرج وقتادة وحماد بن سلمة والزهري وأبو حيوة وعيسى ونافع في رواية : بفتحها ، والظاهر تخصيص العامل ، أي (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً) من السعداء ، لأن الكافر لا يرى خيرا في الآخرة ، وتعميم (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا) من الفريقين ، لأنه تقسيم جاء بعد قوله : (يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ). وقال ابن عباس : قال هذه الأعمال في الآخرة ، فيرى الخير كله من كان مؤمنا ، والكافر لا يرى في الآخرة خيرا لأن خيره قد عجل له في دنياه ، والمؤمن تعجل له سيآته الصغائر في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها ، وما عمل من شر أو خير راه. ونبه بقوله : (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) على أن ما فوق الذرة يراه قليلا كان أو كثيرا ، وهذا يسمى مفهوم الخطاب ، وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكم واحد ، بل يكون المسكوت عنه بالأولى في ذلك الحكم ، كقوله : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) (٢). والظاهر انتصاب خيرا وشرا على التمييز ، لأن مثقال ذرة مقدار. وقيل : بدل من مثقال. وقرأ الجمهور : بفتح الياء
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٩٤.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٢٣.