لا يَبْغِيانِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
هذه السورة مكية في قول الجمهور ، مدنية في قول ابن مسعود. وعن ابن عباس : القولان ، وعنه : سوى آية هي مدنية ، وهي : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية. وسبب نزولها فيما قال مقاتل : أنه لما نزل (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) (١) الآية ، قالوا : ما نعرف الرحمن ، فنزلت : (الرَّحْمنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ). وقيل : لما قالوا (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) (٢) ، أكذبهم الله تعالى وقال : (الرَّحْمنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ). وقيل : مدنية نزلت ، إذ أبى سهيل بن عمرو وغيره أن يكتب في الصلح : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أنه لما ذكر مقر المتقين في جنات ونهر عند مليك مقتدر ، ذكر شيئا من آيات الملك وآثار القدرة ، ثم ذكر مقر الفريقين على جهة الإسهاب ، إذ كان في آخر السورة ذكره على جهة الاختصار والإيجاز. ولما ذكر قوله : (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٣) ، فأبرز هاتين الصفتين بصورة التنكير ، فكأنه قيل : من المتصف بذلك؟ فقال : (الرَّحْمنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ) ، فذكر ما نشأ عن صفة الرحمة ، وهو تعليم القرآن الذي هو شفاء للقلوب. والظاهر أن (الرَّحْمنُ) مرفوع على الابتداء ، و (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) خبره. وقيل : (الرَّحْمنُ) آية بمضمر ، أي الله الرحمن ، أو الرحمن ربنا ، وذلك آية ؛ و (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) استئناف إخبار. ولما عدّد نعمه تعالى ، بدأ من نعمه بما هو أعلى رتبها ، وهو تعليم القرآن ، إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به.
ولما ذكر تعليم القرآن ولم يذكر المعلم ، ذكره بعد في قوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) ، ليعلم أنه المقصود بالتعليم. ولما كان خلقه من أجل الدين وتعليمه القرآن ، كان كالسبب في خلقه تقدّم على خلقه. ثم ذكر تعالى الوصف الذي يتميز به الإنسان من المنطق المفصح عن الضمير ، والذي به يمكن قبول التعليم ، وهو البيان. ألا ترى أن الأخرس لا يمكن أن يتعلم شيئا مما يدرك بالنطق؟ وعلم متعدّية إلى اثنين ، حذف أولهما لدلالة المعنى عليه ، وهو جبريل ، أو محمد عليهما الصلاة والسلام ، أو الإنسان ، أقوال. وتوهم
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٦٠.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ١٠٣.
(٣) سورة القمر : ٥٤ / ٥٥.