والوسواس ، قالوا : اسم من أسماء الشيطان؟ والوسواس أيضا : ما يوسوس به شهوات النفس ، وهو الهوى المنهي عنه. والخناس : الراجع على عقبه ، المستتر أحيانا ، وذلك في الشيطان متمكن إذا ذكر العبد الله تعالى تأخر. وأما الشهوات فتخنس بالإيمان وبلمة الملك وبالحياء ، فهذان المعنيان يندرجان في الوسواس ، ويكون معنى (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) : من الشياطين ونفوس الناس ، أو يكون الوسواس أريد به الشيطان ، والمغري : المزين من قرناء السوء ، فيكون (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) ، تبيينا لذلك الوسواس. قال تعالى : (عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (١). وقال قتادة : إن من الإنس شياطين ، ومن الجن شياطين ، فنعوذ بالله منهم. وقال أبو ذر لرجل : هل تعوذت من شياطين الإنس؟
وقال الزمخشري : (الْوَسْواسِ) اسم بمعنى الوسوسة ، كالزلزال بمعنى الزلزلة ؛ وأما المصدر فوسواس بالكسر كزلزال ، والمراد به الشيطان ، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه ، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه ؛ أو أريد ذو الوسواس. وقد تكلمنا معه في دعواه أن الزلزال بالفتح اسم وبالكسر مصدر في (إِذا زُلْزِلَتِ) (٢) ، ويجوز في الذي الجر على الصفة ، والرفع والنصب على الشتم ، ومن في (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) للتبعيض ، أي كائنا من الجنة والناس ، فهي في موضع الحال أي ذلك الموسوس هو بعض الجنة وبعض الناس. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون من متعلقا بيوسوس ، ومعناه ابتداء الغاية ، أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة ومن جهة الناس ، انتهى.
ولما كانت مضرة الدين ، وهي آفة الوسوسة ، أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت ، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث : الرب والملك والإله ، وإن اتحد المطلوب ، وفي الاستعاذة من ثلاث : الغاسق والنفاثات والحاسد بصفة واحدة وهي الرب ، وإن تكثر الذي يستعاذ منه. كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا آوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ : قل هو الله أحد والمعوذتين ، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثا ، صلىاللهعليهوسلم وشرّف ومجد وكرّم ، وعلى آله وصحبه ذوي الكرم وسلم تسليما كثيرا.
تم والحمد لله رب العالمين
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١١٢.
(٢) سورة الزلزلة : ٩٩ / ١.