فرغت إلى العبد المقيد في الحجل
وفي الحديث : «فرغ ربك من أربع» ، وفيه : «لأتفرغن إليك يا خبيث» ، يخاطب به رسول الله صلىاللهعليهوسلم إرب العقبة يوم بيعتها : أي لأقصدن إبطال أمرك ، نقل هذا عن الخليل والكسائي والفراء. وقرأ الجمهور : سنفرغ بنون العظمة وضم الراء ، من فرغ بفتح الراء ، وهي لغة الحجاز ؛ وحمزة والكسائي وأبو حيوة وزيد بن علي : بياء الغيبة ؛ وقتادة والأعرج : بالنون وفتح الراء ، مضارع فرغ بكسرها ، وهي تميمية ؛ وأبو السمال وعيسى : بكسر النون وفتح الراء. قال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر ؛ والأعمش وأبو حيوة بخلاف عنهما ؛ وابن أبي عبلة والزعفراني : بضم الياء وفتح الراء ، مبنيا للمفعول ؛ وعيسى أيضا : بفتح النون وكسر الراء ؛ والأعرج أيضا : بفتح الياء والراء ، وهي رواية يونس والجعفي وعبد الوارث عن أبي عمرو. والثقلان : الإنس والجن ، سميا بذلك لكونهما ثقيلين على وجه الأرض ، أو لكونهما مثقلين بالذنوب ، أو لثقل الإنس. وسمي الجن ثقلا لمجاورة الإنس ، والثقل : الأمر العظيم. وفي الحديث : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» ، سميا بذلك لعظمهما وشرفهما.
والظاهر أن قوله : (يا مَعْشَرَ) الآية من خطاب الله إياهم يوم القيامة ، (يَوْمَ التَّنادِ) (١). وقيل : يقال لهم ذلك. قال الضحاك : يفرون في أقطار الأرض لما يرون من الهول ، فيجدون الملائكة قد أحاطت بالأرض ، فيرجعون من حيث جاءوا ، فحينئذ يقال لهم ذلك. وقيل : هو خطاب في الدنيا ، والمعنى : إن استطعتم الفرار من الموت. وقال ابن عباس : (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) بأذهانكم وفكركم ، (أَنْ تَنْفُذُوا) ، فتعلمون علم (أَقْطارِ) : أي جهات (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). قال الزمخشري : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ، كالترجمة لقوله : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) ، (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) أن تهربوا من قضائي ، وتخرجوا من ملكوتي ومن سمائي وأرضي فافعلوا ؛ ثم قال : لا تقدرون على النفوذ (إِلَّا بِسُلْطانٍ) ، يعني : بقوة وقهر وغلبة ، وأنى لكم ذلك ، ونحوه : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (٢). انتهى. (فَانْفُذُوا) : أمر تعجيز. وقال قتادة : السلطان هنا الملك ، وليس لهم ملك. وقال الضحاك أيضا : بينما الناس في أسواقهم ، انفتحت السماء ونزلت الملائكة ، فتهرب الجن والإنس ، فتحدق بهم الملائكة. وقرأ زيد بن علي : إن استطعتما ، على خطاب تثنية الثقلين ومراعاة الجن والإنس ؛ والجمهور : على خطاب الجماعة إن
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٣٢.
(٢) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٥١.