وأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل مضمنا معنى ما يعدى بالباء ، أي فيسحب بالنواصي والأقدام ، وأل فيهما على مذهب الكوفيين عوض من الضمير ، أي بنواصيهم وأقدامهم ، وعلى مذهب البصريين الضمير محذوف ، أي بالنواصي والأقدام منهم.
(هذِهِ جَهَنَّمُ) : أي يقال لهم ذلك على طريق التوبيخ والتقريع. (يَطُوفُونَ بَيْنَها) : أي يتردّدون بين نارها وبين ما غلى فيها من مائع عذابها. وقال قتادة : الحميم يغلي منذ خلق الله جهنم ، وآن : أي منتهى الحر والنضج ، فيعاقب بينهم وبين تصلية النار ، وبين شرب الحميم. وقيل : إذا استغاثوا من النار ، جعل غياثهم الحميم. وقيل : يغمسون في واد في جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فتنخلع أوصالهم ، ثم يخرجون منه ، وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا. وقرأ علي والسلمي : يطافون ؛ والأعمش وطلحة وابن مقسم : يطوفون بضم الياء وفتح الطاء وكسر الواو مشددة. وقرىء : يطوفون ، أي يتطوفون ؛ والجمهور : يطوفون مضارع طاف.
قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) ، قال ابن الزبير : نزلت في أبي بكر. (مَقامَ رَبِّهِ) مصدر ، فاحتمل أن يكون مضافا إلى الفاعل ، أي قيام ربه عليه ، وهو مروي عن مجاهد ، قال : من قوله : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (١) ، أي حافظ مهيمن ، فالعبد يراقب ذلك ، فلا يجسر على المعصية. وقيل : الإضافة تكون بأدنى ملابسة ، فالمعنى أنه يخاف مقامه الذي يقف فيه العباد للحساب ، من قوله : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) ، وفي هذه الإضافة تنبيه على صعوبة الموقف. وقيل : مقام مقحم ، والمعنى : ولمن خاف ربه ، كما تقول : أخاف جانب فلان يعني فلانا. والظاهر أن لكل فرد فرد من الخائفين (جَنَّتانِ) ، قيل : إحداهما منزله ، والأخرى لأزواجه وخدمه. وقال مقاتل : جنة عدن ، وجنة نعيم. وقيل : منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر لتتوفر دواعي لذته وتظهر ثمار كرامته. وقيل : هما للخائفين ؛ والخطاب للثقلين ، فجنة للخائف الجني ، وجنة للخائف الإنسي. وقال أبو موسى الأشعري : جنة من ذهب للسابقين ، وجنة من فضة للتابعين. وقال الزمخشري : ويجوز أن يقال : جنة لفعل الطاعات ، وجنة لترك المعاصي ، لأن التكليف دائر عليهما. وأن يقال : جنة يبات بها ، وأخرى تضم إليها على وجه التفضل لقوله وزيادة ؛ وخص الأفنان بالذكر جمع فنن ، وهي الغصون التي تتشعب عن فروع الشجر ، لأنها التي تورق وتثمر ، ومنها تمتد الظلال ، ومنها تجنى الثمار. وقيل :
__________________
(١) سورة الرعد : ١٣ / ٣٣.
(٢) سورة المطففين : ٨٣ / ٦.