(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) : جوزوا أن يكون مبتدأ وخبرا ، نحو قولهم : أنت أنت ، وقوله : أنا أبو النجم ، وشعرى شعرى ، أي الذين انتهوا في السبق ، أي الطاعات ، وبرعوا فيها وعرفت حالهم. وأن يكون السابقون تأكيدا لفظيا ، والخبر فيما بعد ذلك ؛ وأن يكون السابقون مبتدأ والخبر فيما بعده ، وتقف على قوله : (وَالسَّابِقُونَ) ، وأن يكون متعلق السبق الأول مخالفا للسبق الثاني. والسابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة ، فعلى هذا جوزوا أن يكون السابقون خبرا لقوله : (وَالسَّابِقُونَ) ، وأن يكون صفة والخبر فيما بعده. والوجه الأول ، قال ابن عطية : ومذهب سيبويه أنه يعني السابقون خبر الابتداء ، يعني خبر والسابقون ، وهذا كما تقول : الناس الناس ، وأنت أنت ، وهذا على تفخيم الأمر وتعظيمه. انتهى. ويرجح هذا القول أنه ذكر أصحاب الميمنة متعجبا منهم في سعادتهم ، وأصحاب المشأمة متعجبا منهم في شقاوتهم ، فناسب أن يذكر السابقون مثبتا حالهم معظما ، وذلك بالإخبار أنهم نهاية في العظمة والسعادة ، والسابقون عموم في السبق إلى أعمال الطاعات ، وإلى ترك المعاصي. وقال عثمان بن أبي سودة : السابقون إلى المساجد. وقال ابن سيرين : هم الذين صلوا إلى القبلتين. وقال كعب : هم أهل القرآن. وفي الحديث : «سئل عن السابقين فقال هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوه بذلوه ، وحكموا للناس بحكمهم لأنفسهم». (أُولئِكَ) : إشارة إلى السابقين المقربين الذين علت منازلهم وقربت درجاتهم في الجنة من العرش. وقرأ الجمهور : (فِي جَنَّاتِ) ، جمعا ؛ وطلحة : في جنات مفردا. وقسم السابقين المقربين إلى (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ). وقال الحسن : السابقون من الأمم ، والسابقون من هذه الأمة. وقالت عائشة : الفرقتان في كل أمة نبي ، في صدرها ثلة ، وفي آخرها قليل. وقيل : هما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، كانوا في صدر الدنيا ، وفي آخرها أقل. وفي الحديث : «الفرقتان في أمتي ، فسابق في أول الأمة ثلة ، وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل» ، وارتفع ثلة على إضمارهم.
وقرأ الجمهور : (عَلى سُرُرٍ) بضم الراء ؛ وزيد بن علي وأبو السمال : بفتحها ، وهي لغة لبعض بني تميم وكلب ، يفتحون عين فعل جمع فعيل المضعف ، نحو سرير ، وتقدم ذلك في : والصافات. مضمونة ، قال ابن عباس : مرمولة بالذهب. وقال عكرمة : مشبكة بالدر والياقوت. (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها) : أي على السرر ، ومتكئين : حال من الضمير المستكن في (عَلى سُرُرٍ) ، (مُتَقابِلِينَ) : ينظر بعضهم إلى بعض ، وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق وصفاء بطائنهم من غل إخوانا. (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) :