مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ ، فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ ، فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ، فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ، هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ، نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ ، أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ ، أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ ، نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ، عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ ، أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ، إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ، بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ، أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ، لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ ، أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ، أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ ، نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ ، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ).
لما ذكر حال السابقين ، وأتبعهم بأصحاب الميمنة ، ذكر حال أصحاب المشئمة فقال : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ) ، وتقدّم إعراب نظير هذه الجملة ، وفي هذا الاستفهام تعظيم مصابهم. (فِي سَمُومٍ) : في أشدّ حر ، (وَحَمِيمٍ) : ماء شديد السخونة. (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) ، قال ابن عباس ومجاهد وأبو مالك وابن زيد والجمهور : دخان. وقال ابن عباس أيضا : هو سرادق النار المحيط بأهلها ، يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم. وقال ابن كيسان : اليحموم من أسماء جهنم. وقال ابن زيد أيضا وابن بريدة : هو جبل في النار أسود ، يفزع أهل النار إلى ذراه ، فيجدونه أشد شيء وأمر. (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) : صفتان للظل نفيتا ، سمي ظلا وإن كان ليس كالظلال ، ونفي عنه برد الظل ونفعه لمن يأوي إليه. (وَلا كَرِيمٍ) : تتميم لنفي صفة المدح فيه ، وتمحيق لما يتوهم في الظل من الاسترواح إليه عند شدّة الحر ، أو نفي لكرامة من يستروح إليه. ونسب إليه مجازا ، والمراد هم ، أي يستظلون إليه وهم مهانون. وقد يحتمل المجلس الرديء لنيل الكرامة ، وبدىء أولا بالوصف الأصلي الذي هو الظل ، وهو كونه من يحموم ، فهو بعض اليحموم. ثم نفى عنه الوصف الذي يبغي له الظل ، وهو كونه لا باردا ولا كريما. وقد يجوز أن يكون (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) صفة ليحموم ، ويلزم منه أن يكون الظل موصوفا بذلك. وقرأ الجمهور : (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) بجرهما ؛ وابن عبلة : برفعهما : أي لا هو بارد ولا كريم ، على حد قوله :
فأبيت لا حرج ولا محروم
أي لا أنا حرج. (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) : أي في الدنيا ، (مُتْرَفِينَ) : فيه ذم الترف والتنعم في الدنيا ، والترف طريق إلى البطالة وترك التفكر في العاقبة. (وَكانُوا يُصِرُّونَ) :