الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى ، أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى ، فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى).
هذه السورة مكية. ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهرة ، لأنه قال : (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) (١) : أي اختلق القرآن ، ونسبوه إلى الشعر وقالوا : هو كاهن ومجنون ؛ فأقسم تعالى أنه صلىاللهعليهوسلم ما ضل ، وأن ما يأتي به هو وحي من الله ، وهي أول سورة أعلن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بها في الحرم ، والمشركون يستمعون ، فيها سجد ، وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب ، فإنه رفع حفنة من تراب إلى جبهته وقال : يكفي هذا. وسبب نزولها قول المشركين : إن محمدا صلىاللهعليهوسلم يختلق القرآن. وأقسم تعالى بالنجم ، فقال ابن عباس ومجاهد والفراء والقاضي منذر بن سعيد : هو الجملة من القرآن إذا نزلت ، وقد نزل منجما في عشرين سنة. وقال الحسن ومعمر بن المثنى : هو هنا اسم جنس ، والمراد النجوم إذا هوت : أي غربت ، قال الشاعر :
فباتت تعد النجم في مستجره |
|
سريع بأيدي الآكلين حمودها |
أي : تعد النجوم. وقال الحسن وأبو حمزة الثمالي : النجوم إذا انتثرت في القيامة. وقال ابن عباس أيضا : هو انقض في أثر الشياطين ، وهذا تساعده اللغة. وقال الأخفش : والنجم إذا طلع ، وهويه : سقوطه على الأرض. وقال ابن جبير الصادق : هو النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهويه : نزوله ليلة المعراج. وقيل : النجم معين. فقال مجاهد وسفيان : هو الثريا ، وهويها : سقوطها مع الفجر ، وهو علم عليها بالغلبة ، ولا تقول العرب النجم مطلقا إلا للثريا ، ومنه قول العرب :
طلع النجم عشاء |
|
فابتغى الراعي كساء |
طلع النجم غديه |
|
فابتغى الراعي كسيه |
وقيل : الشعرى ، وإليها الإشارة بقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) ، والكهان والمنجمون يتكلمون على المغيبات عند طلوعها. وقيل : الزهرة ، وكانت تعبد. وقيل : (وَالنَّجْمِ) : هم الصحابة. وقيل : العلماء مفرد أريد به الجمع ، وهو في اللغة خرق الهوى ومقصده السفل ، إذ مصيره إليه ، وإن لم يقصد إليه. وقال الشاعر : هوى الدلو أسلمها الرشا ومنه : هوى العقاب. (صاحِبُكُمْ) : هو محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والخطاب لقريش : أي هو مهتد راشد ، وليس كما تزعمون من نسبتكم إياه إلى الضلال والغي. (وَما يَنْطِقُ) :
__________________
(١) سورة الطور : ٥٢ / ٣٣.