الْكِتابِ) (١) ، والمعنى : فاقسم. وقيل : المنفي المحذوف ، أي فلا صحة لما يقول الكفار. ثم ابتدأ أقسم ، قاله سعيد بن جبير وبعض النحاة ؛ ولا يجوز ، لأن في ذلك حذف اسم لا وخبرها ، وليس جوابا لسائل سأل ، فيحتمل ذلك ، نحو قوله لا لمن قال : هل من رجل في الدار؟ وقيل : توكيد مبالغة ما ، وهي كاستفتاح كلام شبهه في القسم ، إلا في شائع الكلام القسم وغيره ، ومنه.
فلا وأبي أعدائها لا أخونها
والأولى عندي أنها لام أشبعت فتحتها ، فتولدت منها ألف ، كقوله :
أعوذ بالله من العقراب
وهذا وإن كان قليلا ، فقد جاء نظيره في قوله : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) (٢) بياء بعد الهمزة ، وذلك في قراءة هشام ، فالمعنى : فلأقسم ، كقراءة الحسن وعيسى ، وخرج قراءة الحسن أبو الفتح على تقدير مبتدأ محذوف ، أي فلأنا أقسم ، وتبعه على ذلك الزمخشري. وإنما ذهبا إلى ذلك لأنه فعل حال ، وفي القسم عليه خلاف. فالذي اختاره ابن عصفور وغيره أن فعل الحال لا يجوز أن يقسم عليه ، فاحتاجوا إلى أن يصوروا المضارع خبرا لمبتدأ محذوف ، فتصير الجملة اسمية ، فيقسم عليها. وذهب بعض النحويين إلى أن جواز القسم على فعل الحال ، وهذا الذي اختاره فتقول : والله ليخرج زيد ، وعليه قول الشاعر :
ليعلم ربي أن بيتي واسع
وقال الزمخشري : في قراءة الحسن ، ولا يصح أن تكون اللام لام قسم لأمرين ، أحدهما : أن حقها أن تقرن بها النون المؤكدة ، والإخلال بها ضعيف قبيح ؛ والثاني : أن لأفعلنّ في جواب القسم للاستقبال ، وفعل القسم يجب أن يكون للحال. انتهى. أما الأمر الأول ففيه خلاف ، فالذي قاله قول البصريين ، وأما الكوفيون فيختارون ذلك ، ولكن يجيزون تعاقبهما ، فيجيزون لأضربن زيدا ، واضربن عمرا. وأما الثاني فصحيح ، لكنه هو الذي رجح عندنا أن تكون اللام في لا أقسم لام القسم ، وأقسم فعل حال ، والقسم قد يكون جوابا للقسم ؛ كما قال تعالى : (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) (٣). فاللام في
__________________
(١) سورة الحديد : ٥٧ / ٢٩.
(٢) سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٧.
(٣) سورة التوبة : ٩ / ١٠٧.