الغيب. وقال ابن عطية : أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر ، هذا بنوء كذا وكذا ، وهذا بنوء الأسد ، وهذا بنوء الجوزاء ، وغير ذلك. وقرأ الجمهور : (تُكَذِّبُونَ) من التكذيب ؛ وعليّ والمفضل عن عاصم : من الكذب ، فالمعنى من التكذيب أنه ليس من عند الله ، أي القرآن أو المطر ، حيث ينسبون ذلك إلى النجوم. ومن الكذب قولهم : في القرآن سحر وافتراء ، وفي المطر من الأنواء.
(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) ، قال الزمخشري : ترتيب الآية : فلو لا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين ، فلو لا الثانية مكررة للتوكيد ، والضمير في ترجعونها للنفس. وقال ابن عطية : توقيف على موضع عجز يقتضي النظر فيه أن الله مالك كل شيء. (وَأَنْتُمْ) : إشارة إلى جميع البشر ، (حِينَئِذٍ) : حين إذ بلغت الحلقوم ، (تَنْظُرُونَ) : أي إلى النازع في الموت. وقرأ عيسى : حينئذ بكسر النون اتباعا لحركة الهمزة في إذ ، (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) بالعلم والقدرة ، (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) : من البصيرة بالقلب ، أو (أَقْرَبُ) : أي ملائكتنا ورسلنا ، (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) : من البصر بالعين. ثم عاد التوقيف والتقدير ثانية بلفظ التخصيص. والمدين : المملوك. قال الأخطل :
ربت ورباني في حجرها ابن مدينة
قيل : ابن مملوكة يصف عبدا ابن أمة ، وآخر البيت :
تراه على مسحانة يتوكل
والمعنى : فلو لا ترجعون النفس البالغة إلى الحلقوم إن كنتم غير مملوكين وغير مقهورين. (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في تعطيلكم وكفركم بالمحيي المميت المبدئ المعيد ، إذ كانوا فيما ذهبوا إليه من أن القرآن سحر وافتراء ، وأن ما نزل من المطر هو بنوء ، كذا تعطيل للصانع وتعجيز له. وقال ابن عطية : وقوله (تَرْجِعُونَها) سد مسد جوابها ، والبيانات التي تقتضيها التخصيصات ، وإذا من قوله : (فَلَوْ لا إِذا) ، وإن المتكررة ، وحمل بعض القول بعضا إيجازا واقتصارا. انتهى. وتقول : (إِذا) ليست شرطية ، فتسد (تَرْجِعُونَها) مسد جوابها ، بل هي ظرف غير شرط معمول لترجعونها المحذوف بعد فلو لا ، لدلالة ترجعونها في التخصيص الثاني عليه ، فجاء التخصيص الأول مقيدا بوقت بلوغ الحلقوم ، وجاء التخصيص الثاني معلقا على انتفاء مربوبيتهم ، وهم لا يقدرون على رجوعها ، إذ مربوبيتهم موجودة ، فهم مقهورون لا قدرة لهم.