جاءنا ـ نعي ـ يزيد بن معاوية ليلا ، وكان أهل الشام يودون ابن الزبير [و] عدّة ممن معه ، فقال ابن الزبير : اسكتوا عن هذا الخبر حتى نصبح.
قال أبو عون :
فخرجت حتى قمت في مشربة لنا في دار مخرمة بن نوفل ، فصحت بأعلى صوتي : يا أهل الشام ، يا أهل النفاق ، يا أهل الشؤم ، قد ـ والله الذي لا إله إلّا هو ـ مات يزيد ، فصاح أهل الشام ، وسبّوا وانكسروا ، فلمّا أصبحنا جاءنا فتى شاب فاستأمن فأمّناه فجاء إلى ابن الزبير وعبد الله بن صفوان في أشياخ من قريش جلوس في الحجر ، والمسور بن مخرمة في البيت يموت ، فخطب فقال : إنكم يا معشر قريش إنّما هذا الأمر أمركم ، والسلطان سلطانكم ، وإنّما خرجنا في طاعة رجل منكم ، وقد هلك ذلك الرجل ، فإن رأيتم أن تأذنوا لنا فنطوف بالبيت ، وننصرف إلى بلادنا حتى يجتمع رأيكم على رجل منكم فندخل في طاعتكم ، فقال ابن الزبير : لا ، ولا كرامة ، فقال عبد الله بن صفوان : لم ، بلى نفعل ذلك. ثم قال ابن الزبير : انطلق بنا إلى المسور ، فإنا لا نقطع أمرا دونه ، فقاما حتى دخلا على المسور ، فقال ابن الزبير : ما ترى يا أبا عبد الرّحمن في أهل الشام ، فإنّهم استأذنوا أن يطوفوا بالبيت وينصرفوا إلى بلادهم؟ فقال المسور : أجلسوني ، فأجلس ، فقال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ)(١) الآية ، وقد خربوا بيت الله وأخافوا عوّاذه ، فأخفهم كما أخافوا عوّاذ الله ، فتراجعوا شيئا من مراجعة ، وغلب المسور فاضطجع ومات ذلك اليوم ، رحمهالله تعالى (٢)(٣).
أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر ، أنا أبو بكر محمّد بن هبة الله ، أنا علي ابن محمّد بن بشران ، أنا أبو علي بن صفوان ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثني أحمد بن
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١١٤.
(٢) زيد بعدها في «ز» ، وم ، ود : ورضي الله.
(٣) كتب هنا في د : آخر الجزء الثامن والستين بعد الأربعمائة من الأصل. وكتب في «ز» : بلغت سماعا وعرضا بقراءتي على الشيخ الأجل العالم أبي البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بإجازته من عمه الحافظ ، وكتب محمد بن يوسف بن محمد بن أبي بداس البرزالي الإشبيلي وذلك في مجلسين آخرهما يوم الخميس التاسع والعشرون من شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة وستمائة بالمسجد الجامع بدمشق. آخر الجزء الثامن والعشرين بعد الأربعمائة من الأصل.