طاعة ابن الزبير فلأي شيء خرج ابن مطيع؟ وكتب إلى ابن الزبير يقع بابن مطيع ويجبّنه ويقول : رأيته مداهنا لبني أمية فلم يسعني أن أقره على ذلك لما حملته في عنقي من بيعتك فخرج من الكوفة وأنا ومن قبلي على طاعتك ، فقبل منه ابن الزبير وصدّقه وأقرّه واليا على الناس.
فلمّا اطمأن ورأى أن ابن الزبير قد قبل منه ، سار بأصحابه إلى منزل عمر بن سعد بن أبي وقّاص فقتله في داره وقتل ابنه حفصا أسوأ قتلة (١) ، وجعل يتتبع قتلة الحسين من الديوان الذين خرجوا إليه فيقتل كلّ من قدر عليه ، ويغيّب كلّ من خالفه من أهل الكوفة ، ثم بعث مسالحه إلى السواد والمدائن وعمال الخراج ، فجيئت إليه الأموال ، فبعث إليه عبد الملك بن مروان عبيد الله بن زياد في ستين ألفا من أهل الشام ، فأخذ على الموصل فدعا المختار إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفا من أصحابه لقتال عبيد الله بن زياد ، فلقيه بأرض الموصل على نهر يدعى الخازر (٢) ، فتراشقوا بالنبل ساعة وتشاولوا بالرماح ، ثم صاروا إلى السيف ، فاقتتلوا أشد القتال ، إلى أن ذهب ثلث الليل ، وقتل أهل الشام تحت كل حجر وهرب من هرب منهم ، وقتل عبيد الله بن زياد ، والحصين بن نمير في المعركة (٣) ، وبعث بالرءوس إلى المختار ، فبعث المختار برأس عبيد الله بن زياد وبرأس الحصين بن نمير وستة نفر من رؤسائهم مع خلّاد بن السائب الخزرجي ، فقدم بها المدينة ، فنصبت يوما إلى الليل ، ثم خرج بها إلى ابن الزبير ، فنصبها على ثنية الحجون ، وجعل ابن الزبير يسأل خلّاد بن السائب عن التقائهم وقتالهم فيخبره ، فقال : كيف رأيت مناصحة المختار؟ فقال : رأيته على ما يحب أمير المؤمنين يدعو لك على منبره ، ويذكر طاعتك ومفارقة بني مروان.
ورجع المختار ومن معه إلى الكوفة ، وكتب إلى ابن الزبير يخدعه ويخبره أنه إنما يقوم بأمره وسكّنه حتى يمكنه ما يريد ، فأبصر ابن الزبير أمره وكلّمه فيه عروة بن الزبير ، وعبد الله بن صفوان وغيرهما ، وأعلموه غشه وسوء مذهبه وأنه ليس له بصاحب.
قال : فمن أولى أحتاج إلى رجل جلد مجزيّ مقدام ، فقال له مصعب بن الزبير : لا تولّ أحدا أقوم بأمرك مني قال : فقد وليتك العراق ، فسر إلى الكوفة. قال : ليس هذا برأي ، أقدم
__________________
(١) راجع البداية والنهاية ٨ / ٢٧٤ وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٦١ ـ ٨٠) ص ١٩٦.
(٢) الخازر : نهر بين إربل والموصل ، ثم بين الزاب الأعلى والموصل (معجم البلدان).
(٣) بالأصل وبقية النسخ : المعرك.