ألا إنّما الدنيا عارية من الملك إلّا على الذي لا يزول سلطانه ولا يبيد ، فإن تقبل (١) الدنيا عليّ لا آخذها أخذ الأغشى البطر ، وإن تدبر عني لا أبكي عليها بكاء الخرف المهتر.
قال : ونا الزبير ، حدّثني محمّد بن الضحّاك ، عن أبيه قال :
صعد عبد الله بن الزبير المنبر بعد أن جاء قتل مصعب بن الزبير ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وصلّى على نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال : لئن أصبت بمصعب لقد أصبت بإمامي عثمان ، فعظمت مصيبته ، وظننت أن لا اجتبرها ثم أحسن الله وأجمل ، ولئن أصبت بمصعب لقد أصبت بأبي الزبير ، فعظمت مصيبته وظننت أن لا أجتبرها ، ثم أحسن الله وسلّم ، وهل كان مصعب إلّا فتى من فتياني ، ثم ذرفت عيناه ثم قال : إنه كان سريا مريا ، ثم قال :
فهم دفعوا الدنيا عليّ حين أعرضت |
|
كرام وسنّوا للكرام التّأسّيا |
قال : ونا الزبير ، حدّثني عبد الله بن نافع بن ثابت ، عن الزبير ، بن خبيب قال :
قام عبد الله بن الزبير بعد المقام الذي نعى فيه مصعب بن الزبير ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أيّها الناس ، لئن كنت أصبت بمصعب ، لقد أصبت بأبي الزبير ، فظننت أن اجتبرها ثم استمرت مريرتي ، وما كنت خلوا من مصيبة عثمان ، وما كان مصعب إلّا فتى من فتياني ، ثم جعل يردّ البكاء ، وإنه ليغلبه ويقول :
هم دفعوا الدنيا عليّ حين أعرضت |
|
كراما وسنّوا للكرام التّأسّيا |
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا أبو محمّد الكتّاني ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا أبو الميمون ، نا أبو زرعة قال (٢) :
ومصعب بن الزبير قتله عبد الملك في مسيره إليه ـ إلى العراق ـ من قبل أن يوجه الحجاج بن يوسف لقتال عبد الله بن الزبير ، سمعت ذلك من أبي مسهر ، وقد كان لمصعب ابن الزبير بقاء إلى سنة سبعين ، ووافى سنة سبعين حاجا.
[قال أبو زرعة :](٣) نا الحميدي عن ابن عيينة أنه سمعه يذكر عن عمرو بن دينار.
أنه رأى مصعب بن الزبير حاجا سنة سبعين ، قال : وكان قتله بعد ذلك بيسير.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمّد بن أحمد ، أنا محمّد بن الحسن بن محمّد ، نا أحمد
__________________
(١) من قوله : الملك ... إلى هنا ، بياض في م ، و «ز».
(٢) رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه ١ / ٥٨٣.
(٣) زيادة منا للإيضاح ، تاريخ أبي زرعة ١ / ٥٨٣.