محمّد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن ، أنا محمّد بن أبي عدي ، نا ابن عون ، عن محمّد ، عن أبي الرّباب قال :
كنت خامس خمسة في الذين ولوا قبض السوس ، فأتى رجل لخلخانية كهيئة الدنامنه (١) أو العبادية فقال إني قد خبأت خبيئا فتبيعونيه؟ قلنا : نعم ، إن لم يكن كتاب الله ، ولا ذهبا ، ولا فضة ، قال : فإنه بعض ما استثنيتم هو كتاب الله ، أحسن أقرأه ولا تحسنون تقرءونه ، فقلنا : فائتنا به ، فأتانا به ، فنزعنا دفّتيه ، ووهبناه له ، فاشتراه منا بعد ذلك بدرهمين ، فلمّا كان بعد ذلك خرجنا إلى الشام ، وصحبنا رجل شيخ على حمار ، بين يديه مصحف ، وهو مكبّ عليه يقرأ ويبكي ، قال : وفي ناحية الرفقة فتى شاب يتغنى برفع صوته ، فأتيته ، فقلت له : يا عبد الله ، لا تلمنا فإنه فتى شاب ، قال : هو صاحب ، وله حق ، قلت : ما أشبه هذا المصحف بمصحف كان من شأنه كذا وكذا ، قال : ما رأيت كاليوم رجلا أثبت بصرا ، فإنه ذاك ، قلت : فأين تريد الآن؟ قال : أرسل إليّ كعب الأحبار عام الأول ، فأتيته ، ثم أرسل إلي العام : إمّا أن تأتيني ، وإما أن آتيك ، فهذا وجهي إليه ، قال : قلت : فأنا معك ، فانطلقنا حتى قدمنا الشام ، فقعدنا عند كعب ، فجاء عشرون من اليهود فيهم شيخ كبير يرفع حاجبيه بحريرة ، فقالوا : أوسعوا ، أوسعوا ، فأوسعوا ، وركبنا أعناقهم ، فتكلموا ، فقال كعب : يا نعيم ، أتجيب هؤلاء أو أجيبهم؟ فقال : دعوني حتى أفقه هؤلاء ما قالوا (٢) ثم أجيبهم ، إن هؤلاء أثنوا على أهل ملّتنا خيرا ، ثم قلبوا ألسنتهم ، فزعموا أنا بعنا الآخرة بالدنيا ، هلم فلنواثقكم فإن جئتم بأهدى مما نحن عليه اتّبعناكم ، وإن جئتم بأهدى مما أنتم عليه اتبعنا ، قال : فتوافقوا فقال كعب : أرسل إليّ ذلك المصحف ، فأرسل إليه ، فجيء به ، فقال : أترضون أن يكون هذا بيننا وبينكم؟ قالوا : نعم ، لا يحسن أحد يكتب مثل هذا اليوم ، فدفع إلى شاب منهم ، فقرأ كأسرع قارئ ، فلمّا بلغ إلى مكان منه نظر إلى أصحابه كالرجل يؤذن صاحبه بالشيء قد دنا منه ، قال : ثم جمع يديه ، فقال فيه فنبذه ، فقال كعب : آه ، فأخذه (٣) فوضعه في حجره ، فقرأ ، فأتى على آية منه : فخروا سجدا ، فلم يرفعوا حتى قيل لهم ، ارفعوا فرفعوا ، وبقي الشيخ يبكي ، فقيل له : ما لك لا ترفع رأسك؟ فرفع رأسه وهو يبكي ، فقيل له : ما يبكيك؟ فقال : وما لي لا أبكي ؛ رجل عمل في الضلالة كذا وكذا سنة (٤) ولم أعرف الإسلام حتى كان اليوم ،
__________________
(١) كذا رسمها بالأصل وبقية النسخ.
(٢) قوله : «ما قالوا» ليس في «ز».
(٣) في «ز» : واحدة.
(٤) في «ز» : سنينه.