كنت في عسكر هشام بن عبد الملك لما مات مسلمة بن عبد الملك فرأيت هشاما في شرطته ، ونظرت إلى الوليد بن يزيد قد أقبل يجرّ مطرف خزّ عليه حتى وقف على هشام والوليد نشوان ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ عقبي من بقي لحوق من مضى ، وقد أقفر بعد مسلمة الصيد والمرمى (١) ، واختلّ الثغر ، فوهى ، وعلى أثر من سلف ما يمضي من خلف ، وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى ، فلم يحر هشام جوابا ، وسكت الناس ، فلم يترهسم (٢) أحد بشيء ، فأنشأ الوليد يقول :
أهينمة حديث القوم أم هم |
|
نيام بعد ما متع (٣) النهار |
عزيز كان بينهم نبيّا |
|
فقول القوم وحيّ لا يحار |
كأنّا بعد مسلمة المرجّى |
|
شروب طوّحت بهم عقار |
أو آلاف هجاين في قيود |
|
تلفت كلّما حنّت ظؤار (٤) |
فليتك لم تمت وفداك قوم |
|
تراخي بينهم عنها الديار |
سليم الصدر أو شرف نكيد (٥) |
|
وآخر لا يزور ولا يزار |
قال : سقيم الصدر ، عنى به يزيد بن الوليد الناقص ، والشرف النكيد : عنى به هشاما ، والذي لا يزور ولا يزار : مروان بن محمّد.
وقال :
فقد كنت نورا لنا في البلاد |
|
مضيئا فقد أصبحت مظلمة |
ونكتم موتك نخشى اليقين |
|
فأبدى اليقين عن الجمجمة (٦) |
أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الحسن السيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا أحمد ، نا موسى ، نا خليفة قال (٧) :
__________________
(١) كذا بالأصل والنسخ ، وفي الأغاني : «لمن يرى» وكتب بهامشها : «كذا بالأصول».
(٢) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وفي م : «يتوهسم» وفي الأغاني : «همس» ورهسم في كلامه : أتى منه بطرف ولم يفصح بجميعه.
(٣) متع النهار : طال وامتد.
(٤) الظؤار واحدها ظئر ، جمع نادر ، وهي الناقة التي تعطف وترنو على غير ولدها المرضعة له.
(٥) الأصل وم : نكيدا ، والمثبت عن «ز» ، ود ، وفي الأغاني : شكس نكيد.
(٦) الجمجمة : إخفاء الكلام.
(٧) تاريخ خليفة بن خيّاط ص ٣٥٠ (ت. العمري) ثم ذكر خليفة في حوادث سنة ١٢١ أنه غزا على الصائفة ، ولعل