أخبرني أبو المعمر المبارك بن أحمد بن عبد العزيز ، نا محمّد بن طاهر المقدسي الحافظ ، أنا أبو عبد الله محمّد بن أبي نصر الأندلسي قال : سمعت أبا محمّد علي بن أحمد ابن سعيد الحافظ الفقيه وقد جرى ذكر الصحيحين ، فعظّم منهما ورفع من شأنهما وذكر أن سعيد بن السكن اجتمع إليه قوم من أصحاب الحديث ، فقالوا له : إن الكتب في الحديث قد كثرت علينا فليدلنا الشيخ على شيء نقتصر عليه منها ، فسكت ودخل إلى بيته ، فأخرج أربع رزم ، ووضع بعضها على بعض ، وقال : هذه قواعد الإسلام ، كتاب مسلم ، وكتاب البخاري ، وكتاب أبي داود ، وكتاب النسائي.
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو سعد محمّد بن عبد الرّحمن ، أنا أبو عمرو بن أبي جعفر قال : سمعت أبا قريش محمّد بن جمعة يقول : كنا عند أبي زرعة الرازي ، فجاء مسلم بن الحجّاج ، فسلّم عليه وجلس ساعة ، وتذاكرا ، فلما أن قام قلت له : هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح؟ فقال أبو زرعة : لم ترك الباقي؟ وقال ليس لهذا عقل ، لو دارى محمّد بن يحيى لصار رجلا.
قرأت على أبي القاسم الشحامي ، عن أحمد بن الحسين ، أنا محمّد بن عبد الله قال : سمعت طاهر بن أحمد يقول : سألت مكي بن عبدان : لم ترك مسلم حديث محمّد بن يحيى؟ فقال : وافى داود الأصبهاني نيسابور أيام إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، فعقدوا له مجلس النظر ، وحضر مجلسه يحيى بن محمّد بن يحيى ، ومسلم بن الحجّاج ، فجرت لهم مسألة ، تكلم فيها يحيى بن محمّد بن يحيى فزبره داود وقال : اسكت يا صبي ، ولم ينصره مسلم ، فرجع إلى أبيه وشكا إليه داود ، فقال محمّد بن يحيى : ومن كان في المجلس؟ قال : مسلم ابن الحجّاج ولم ينصرني ، قال : قد رجعت عن كلّ ما حدثته به ، قال : فبلغ مسلم قول محمّد ابن يحيى هذا ، فجمع ما كتب عنه وجعله في زنبيل (١) وحمله إلى داره ، وقال : لا أروي عنك أبدا ، ثم خرج إلى عبد بن حميد.
هكذا علقت هذه الحكاية قديما عن طاهر ، والله أعلم ، فإن مسلم بن الحجّاج قد كان يختلف بعد حديث الوقعة بينه وبين حمكان إلى أبيه بذلك من غيره ، وقد أخبر عن الوحشة الأخيرة ، وأخبر مكي بن عبدان عن الوحشة القديمة ، وسمعت أبا عبد الله محمّد بن يعقوب
__________________
(١) زنبيل لغة في زبيل ، وهو القفة أو الجراب أو الوعاء ، يحمل فيه ، والجمع زنابيل (تاج العروس : زبل).