أخبرتكم مرّة أخرى انّه لا وفاء لكم ولا ذمّة ولا خير عندكم وأنّكم عبيد الدّنيا. واني موجّه مكانه رجلا وإني لأعلم انّه يفعل فعل صاحبه غير مفكّر في عاقبة أمره ومرجعه ولا مراقب لله في دينه.
وبعث رجلا من (مراد) في أربعة آلاف وتقدّم إليه بمشهد من الناس وحذّره الغدر والنكث.
فلما صار الى الأنبار أتاه رسول معاوية بمثل ما أتى الكندي من الصلة والمواعيد ، فتوجّه إليه مؤثرا لدنياه على آخرته وبايعا دينه بالتافه القليل الفاني ومختارا على الجنّة.
فقام أبو محمّد عليه السّلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال : قد عرفتكم انّكم لا تفون بعهد ولا تستيمنون الى عقد ، وقد غدر المرادي الذي اخترتموه وقبله ما اخترتم الكندي. فقام أناس فقالوا ان كان الرجلان غدرا فنحن ننصح ولا نغدر.
فقال لهم : كلّا واني أعذر بيني وبينكم مع علمي بسوء ما تبطنون وتنطوون عليه ، وموعدكم عسكري بالنخيلة.
ثم خرج ، فعسكر بالنخيلة وأقام به عشرة أيام ، فلم يلحق به منهم إلّا عدد يسير ، فانصرف الى الكوفة وقام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا عجبا من قوم لا حياء لهم ولا دين .. من غدرة بعد غدرة. أما والله لو وجدت أعوانا لقمت بهذا الأمر أي قيام ، ونهضت به أي نهوض ، وأيم الله لا رأيتم فرجا ولا عدلا أبدا مع ابن آكلة الأكباد وبني أمية وليسومنكم سوء العذاب حتى تتمنّوا أن يليكم عبد حبشي مجدع ، فأفّ لكم وبعدا وترحا يا عبيد الدنيا وموالي الحطام.
ثم نزل وهو يقول : واعتزلكم وما تدّعون من دون الله.
فاتبعه من شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام عدد يسير إشفاقا عليه وحقنا لدمه. وغلب ابن آكلة الأكباد على الملك مدّة أيام أبي محمّد عليه السّلام وأظهر من اللباس والزي والفرش والاثاث مثل ما كانت ملوك الأعاجم تفعله وكان من أمره ما قص وروي وسارت الركبان بخبره.
ومن دلايل أبي محمّد عليه السّلام ما روي انّه خرج الى مكّة في بعض السنين ماشيا حتى