المغرب فضاء أصلا ، ولا مغرز إبرة ، ولم نجد للبيت الداخل بابا أصلا ، ولا موضع باب ، لا في الجهة الشامية ولا في غيرها ، ووجدنا الفضاء الذي خلف البيت الشريف من جهة الشام ، بينه وبين البناء الظاهر ، شكله مثلث ، ومساحته نحو ثمانية أذرع بذراع اليد المتقدم تحريره ، وذلك من جدار البيت الشامي إلى زاوية البناء الظاهر المقابلة له ، وهي الزاوية الشمالية التي ينحرف عنها صفحتا الشكل المثلث المذكور ، وهناك أسطوانة ملاصقة لجدار البيت الشامي في صف أسطوانة مربعة القبر وأسطوانة الوفود ، وبعض الأسطوانة المذكورة داخل في الجدار المذكور ، وقد طوق على أعاليها بأطواق من الحديد ، وأدعمت بجذع من جذوع النخل رأسه في أعاليها ورأسه الآخر في زاوية البناء الظاهر الشمالية المتقدم ذكرها ، والظاهر أن ذلك جعل بعد الحريق لتشقق الأسطوانة المذكورة وتأثير النار فيها ، وهي الأسطوانة التي تقدم ذكرها في التصوير الأول المأخوذ من كلام ابن شبة عند نهاية جدار البيت الشامي ، مما يلي المشرق ، لكنا لم نجدها كذلك ، بل قريبة من وسط الجدار الشامي ، غير أن متولي العمارة ومن كان معه أخبروني أنهم وجدوا عند نقض جدار البيت الشامي من داخله رأس جدار في محاذاة الأسطوانة المذكورة يشهد الحال أنه كان آخذا من الشام إلى ما يحاذيه من القبلي ، فكأنه كان نهاية الحجرة الشريفة من جهة المشرق ، وكأنه لما انهدم زيد فيها ذلك القدر ، قالوا : ولا يخفى على الناظر أن بقية الجدار الشامي مما يلي المشرق لم يبن مع الجانب الآخر منه ، بل هي ملصقة إلى رأس الجدار المذكور بحيث لم يدخل أحجار أحدهما في الآخر ، ولا هي مرتبطة كما هو عادة البناء الواحد ، ورأيت أنا ما يقابل هذا الجانب من الجدار القبلي مما يلي المشرق ؛ فرأيت ما يشهد بإحداث بنائه بحيث إنه مبني بالحجارة غير الوجوه كنسبة الجدار الشرقي ، بخلاف بقية جدارات الحجرة الشريفة فإنها كلها من داخلها وخارجها مبنية بالحجارة الوجوه المنحوتة ، وإنما لم أشاهد ما قدمته مما حكى لي في أمر الجدار الشامي لأني اجتنبت حضور الهدم احتياطا لنفسي ، وظهر بذلك أن البيت الشريف كان من جهة المشرق على ما صوره ابن شبة ، ثم حدث ذلك بعده ، ولم ينبه عليه أحد من المؤرخين ، ويحتمل أن ذلك الجدار هو الذي أحدثته عائشة رضياللهعنها بينها وبين القبور الشريفة ؛ فقد تقدم عن ابن سعد روايته عن مالك بن أنس قال : قسم بيت عائشة باثنين ، قسم كان فيه القبر ، وقسم كان تكون فيه عائشة وبينهما حائط.
قلت : فهذا الاحتمال هو الذي يترجح عندي ، والله أعلم.
ووجد بين جدار البيت الشرقي وبين الجدار الظاهر الشرقي فضاء مختلف كالزقاق الرقيق ، فعند ابتدائه من جهة الشام نحو ذراع اليد يمر فيه الرجل منحرفا ، فإذا قرب من جهة القبلة تضاعف بحيث لا يمر فيه إلا الصغير منحرفا ، وسعته هناك نحو ثلث الذراع.