محمد بن عمار عن أبيه عن جده قال : أتى عمر بن الخطاب بمجمرة من فضة فيها تماثيل ، فدفعها إلى سعد أحد المؤذنين ، وقال : أجمر بها في الجمعة وفي شهر رمضان ، فكان سعد يجمر بها بين يدي عمر بن الخطاب ، الخبر الآتي.
ثم قال : عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد القرظ ضعفه ابن معين ، وكذا الراوي عنه ، ومحمد بن عمار حسن له الترمذي ، فلو سلم ممن دونه كان جيدا ، ومقتضى اشتراط الفقهاء الاحتواء في المجمرة عدم تحريم هذا الصنيع ، لكن العرف دال على عد ذلك استعمالا ، فإما أن يكون الحديث ضعيفا ، وإما أن يكون احتمل ذلك لأجل المسجد تعظيما له ، فتكون القناديل بطريق الأولى ؛ إذ لا استعمال فيها.
قال : ولا يجوز صرف شيء من قناديل الحجرة في عمارتها ، ولا في عمارة المسجد ؛ لأنها إنما أعدت للبقاء ، وليس قصد بها جهات إلا ذلك ، سواء وقفها أو اقتصر على إهدائها.
قال : وقد سئلت عن جواز بيعها لعمارة المسجد النبوي ، فأنكرته واستقبحته ، وكيف يبلغ ملوك الأرض أنا بعنا قناديل نبينا لعمارة حرمه ونحن نفديه بأنفسنا فضلا عن أموالنا؟ وما برحت الملوك يفتخرون بعمارته.
قلت : وقد تعقبه جماعة ، والمحل قابل للمناقشة ، وليس ذلك من غرضنا ، غير أنا نقول : ستر الكعبة بالديباج قام عليه الإجماع ، وأما التحلية بما ذكر فلم يثبت عن من يحتج بفعله ، وترك عمر بن عبد العزيز يحتمل أعذارا ليس هذا محل بيانها.
وقد نقل الشيخ الموفق الإجماع على تحريم استعمال أواني الذهب ، والقناديل من الأواني بلا شك ، واستعمال كل شيء بحسبه ؛ فاستعمال ما ذكر بتعليقه للزينة ، وقد سلم تحريم اتخاذ الأبنية منها أيضا.
وقد ذكر الجمال الكازروني المدني أشياء أيّد بها كلام السبكي : منها أن الله تعالى قال : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) [النور : ٣٦] قال : وهي بيوت النبي صلىاللهعليهوسلم ، قاله مجاهد ، ومعنى ترفع تعظم ويرفع شأنها وتزين ، وتزيينها تعليق قناديل الذهب فيها ، وتطهر من الأنجاس والأقذار وتطيب.
قلت : قوله «ومن تعظيمها تعليق ذلك فيها» هو محل النزاع ؛ لأن من حرم ذلك لا يسلمه ، والله أعلم.
ومنها : أنه روي عن عثمان تعليق قناديل الذهب بالمسجد النبوي.
قلت : ولعله من اختلاف أعدائه عليه ، ولم أره مسطورا في تأليف ، ولو كان له أصل لذكره مؤرخو المدينة.