يستكمل في ملكه السنة بكمالها ، بل قتل بعد الوقعة بشهر وهو داخل إلى مصر ، فكان العمل بالمسجد الشريف تلك السنة من باب السلام إلى باب الرحمة المعروف قديما بباب عاتكة ، ومن باب جبريل إلى باب النساء المعروف قديما بباب ريطة ابنة أبي العباس السفاح ، وتولى مصر آخر تلك السنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي ، ويعرف بالبندقداري ، فعمل في أيامه باقي سقف المسجد الشريف من باب الرحمة إلى شمالي المسجد ، ثم إلى باب النساء ، وكمل سقف المسجد كما كان قبل الحريق سقفا فوق سقف.
قلت : وذكر المؤرخون أن الظاهر ركن الدين المذكور لما ولي حصل منه الاهتمام بذلك ؛ فجهز الأخشاب والحديد والرصاص ، ومن الصناع ثلاثة وخمسين صانعا وما يمونهم ، وأنفق عليهم قبل سفرهم ، وأرسل معهم الأمير جمال الدين محسن الصالحي وغيره ، ثم صار يمدهم بما يحتاجون إليه من الآلات والنفقات ، ثم لم يزل المسجد على ذلك حتى جددوا السقف الشرقي والسقف الغربي ـ أي الذي عن يمين صحن المسجد وشماله ـ في سنتي خمس وست وسبعمائة في أوائل دولة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي ، فجعلا سقفا واحدا نسبة السقف الشمالي أي سقف الدكاك فإنه جعل في عمارة الملك الظاهر كذلك.
ثم في سنة تسع وعشرين وسبعمائة أمر السلطان الملك الناصر محمد المذكور بزيادة رواقين في المسقف القبلي متصلين بمؤخره ، فاتسع مسقفه بهما وعم نفعهما.
قلت : ثم حصل فيهما خلل فجددهما الملك الأشرف برسباي في ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة على يد مقبل القديدي من مال جوالي قبرص ، على ما أخبرني به بعض مشايخ الحرم ، ورأيته مكتوبا كذلك باللوح التي كانت بظاهر العقود من المسقف القبلي مما يلي رحبة المسجد ، وهو سقف واحد في موازاة سقف المسجد الأسفل ، ولذلك صار سقف مقدم المسجد القديم مرتفعا من أعلاه على هذين الرواقين وغيرهما من بقية المسجد ، وله باب يدخل إليه من بين السقفين شارع في مبدأ الرواقين المذكورين مما يلي المشرق ، وجدد الأشرف المذكور أيضا شيئا من السقف الشامي مما يلي المنارة السنجارية ، ثم حصل خلل في سقف الروضة الشريفة وغيرها من سقف المسجد في دولة الظاهر جقمق فجدد ذلك في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وما قبلها على يد الأمير بردبك الناصر المعمار وغيره.
ثم في دولة مولانا السلطان الملك الأشرف قايتباي أدام الله تعالى تأييده ونصره أنهى إليه احتياج سقوف المسجد الشريف للعمارة فبرز أمره الشريف بذلك كما ستأتي الإشارة إليه للجناب الخواجكي الشمسي شمس الدين بن الزمن أعزه الله بعز طاعته ، فحضر لذلك في أثناء سنة تسع وسبعين صحبة أمير جدة ورتب أمر العمارة وسافر صحبته أيضا ، فهدموا